الصورة الرابعة: ما لم تتعلَّق به الإرادتان، وهو ما لم يكن من أنواع المباحات والمعاصي؛ فإن الله لم يأمر بها ولم يردها شرعًا، كما أنه لم يردها كونًا؛ فلم تقع، ومثالها: كفر المؤمن والمعاصي التي عصمه الله منها فلم تقع منه.
١٧) بين الإرادتين فروقٌ تُميِّز إحداهما عن الأخرى، منها:
١) ما أراده الله كونا لا بدَّ من وقوعه، وما أراده شرعًا لا يلزم وقوعه؛ فقد يقع وقد لا يقع، إلا أن تتعلَّق به الإرادة الكونيَّة.
٢) ما أراده الله كونا قد يحبُّه الله ويرضاه، وقد لا يحبُّه ولا يرضاه، فالله أراد المعصية كونًا ولا يرضاها شرعًا، وما أراده الله شرعا لا بدَّ أن يحبَّه ويرضاه.
٣) الإرادة الكونيَّة لا تستلزم الأمر إلا إذا اجتمعت مع الإرادة الشرعيَّة، والإرادة الشرعيَّة تستلزم الأمر؛ فكلُّ ما أراده الله شرعًا أمر به.
٤) الإرادة الكونيَّة قد تكون مقصودةً لغيرها، كإرادة خلق إبليس وسائر الشرور؛ لتحصل بسبب ذلك المجاهدة والتوبة والاستغفار، وغير ذلك من المحابِّ، والإرادة الشرعيَّة مقصودةٌ لذاتها؛ فالله أراد الطاعة لنفسها ورضيها وأحبَّها.
١٨) خالف في تقسيم الإرادتين طائفتان:
الطائفة الأولى: القدريَّة.
أثبتوا الإرادة الشرعية وأنكروا الإرادة الكونية، وزعموا أن كفر الكافر ومعصية العاصي لا تدخل تحت إرادة الله ولا تقديره.
الطائفة الثانية: الجبريَّة.
أثبتوا الإرادة الكونية وأنكروا الإرادة الشرعية، وقالوا: إن الكفر والمعاصي مرادة لله تعالى ومحبوبة له، وقد جبرهم عليها لا خيار لهم في تركها.