وأما الثواب والعقاب؛ فهما شرعيَّان يتوقَّفان على أمر الشارع ونهيه، ولا يجبان بالعقل. والله ﵎ لا يعاقب أحدًا إلا بعد بلوغ الرسالة.
القول الثاني:(قول المعتزلة). غلوا في التحسين والتقبيح العقليَّين، فزعموا أن العقل يدرك حسن الأفعال وقبحها، وأن الحسن والقبح صفتان ذاتيَّتان للفعل، وأن الأمر لا يكون إلا بحسنٍ، والنهي لا يكون إلا عن سيِّئٍ، وأن الشرع إنما هو كاشفٌ عن حسن الفعل الثابت في نفسه لا مثبِت لحسن الفعل. وقالوا: إن العقل يدرك الثواب المترتِّب على حسن الأفعال والعقاب المترتِّب على سيِّئها في الآخرة. وأن الله يعاقب العباد على أفعالهم القبيحة ولو لم يبعث إليهم رسولًا.
القول الثالث:(قول الأشاعرة ومَن وافقهم كابن حزمٍ). قالوا: لا قبح ولا حسن ولا شرَّ ولا خير يُدرَك بالعقل فيما خوطب به الناس من الشرع، والشارع إذا أمر بشيءٍ صار حسنًا، وإذا نهى عن شيءٍ صار قبيحًا؛ فالقبيح ما قيل فيه:«لا تفعل»؛ والحسن ما قيل فيه:«افعل»، أو ما أُذِن في فعله. وقد اكتسب الفعل صفة الحسن والقبح بخطاب الشارع.
وقالوا: إن الأمر والنهي والثواب والعقاب كلَّها شرعيَّةٌ، وهي لا ترجع لحكمةٍ، بل لمحض الإرادة.
٣١) الصواب في جواب مَنْ سأل: هل الإنسان مُسَيَّرٌ أو مُخَيَّرٌ؟ يكون بالعدول عن الألفاظ المجملة إلى الألفاظ الشرعيَّة؛ فيُجاب بأن للعبد مشيئةً وإرادةً على أفعاله، ولكن مشيئته ليست نافذةً إلا بمشيئة الله تعالى.
٣٢) ورد في بعض كتب التراجم وكتب الجرح والتعديل نسبة بعض الأئمَّة من التابعين ومَن بعدهم إلى القدر. ومن أشهر مَنْ رُمِي بالقدر من التابعين: