القول الثاني:(قول الجهميَّة والأشاعرة وطائفةٍ من الفقهاء والصوفيَّة).
أنكروا الأسباب، وزعموا أنه ليس للأسباب تأثيرٌ على المسبَّبات. وبالغوا في ذلك حتى أنكروا الأسباب المحسوسة، فقالوا: ليس للنار أثرٌ في الإحراق، ولا للخبز أثرٌ في الإشباع. وقالوا: إن الله يفعل عندها لا بها.
القول الثالث:(قول الفلاسفة).
غلوا في عامة الأسباب والقوى والطبائع وجعلوها مؤثرة بنفسها وقد اتخذوها أربابا وآلهة يتوجهون إليها بالدعاء والطلب وقضاء الحاجات.
القول الرابع:(قول المعتزلة).
غلوا في الأسباب من أفعال الحيوان، وقالوا: إن كل ما تولد عن فعل العبد فهو فعله لا يضاف إلى غيره، كالشبع والري وزهوق الروح ونحو ذلك، وقالوا: إن العبد بفعله للسبب مستقلٌّ بإيجاده وإحداثه، ولذا أنكروا خلق الله لأفعال العباد، ولم يقولوا بذلك في سائر القوى والطبائع، بل يقرون بخلق الله لها وإيجادها خلافًا للفلاسفة.
٣٠) اختلف الناس في مسألة التحسين والتقبيح -باعتبار المدح والذم والثواب والعقاب- على ثلاثة أقوالٍ:
القول الأول (قول أهل السنة). قالوا بالتفصيل، فقالوا: إن العقل يُدرِك الحسن والقبح في بعض الأمور دون بعضٍ، وأن التحسين والتقبيح في الأفعال عقليَّان وشرعيَّان؛ فمن الأفعال ما هي متَّصفةٌ بصفات الحسن والقبح وتقتضي الحمد والذمَّ قبل ورود الشرع، كإدراك العقول لحسن العدل ومدح فاعله، وإدراكها لقبح الظلم وذمِّ فاعله. ومنها ما لا يُدرَك حسنه وقبحه إلا بورود الشرع، كحسن قسمة الميراث بحسب ورود الشرع، وقبح الجمع بين خمس زوجاتٍ دون أربعٍ.