والاحتجاج بالقدر إنما يكون على المصائب لا على المعايب، كما دلَّت على ذلك النصوص الصحيحة. وعلى هذا تُحمَل محاجَّة آدم وموسى؛ فهذه المحاجَّة بين آدم وموسى كانت على المصيبة التي لحقت الذرِّيَّة بإخراج آدم من الجنَّة، ولم تكن على ذنب آدم وخطيئته.
٢٨) دلَّت الأدلة على النهي عن الخوض في القدر، وأن ذلك من جملة الإيمان بالقدر.
ولا بدَّ من معرفة الحدِّ الفاصل بين الكلام في القدر بحقٍّ -الذي هو داخل في العلم المرغب في طلبه وتحصيله-، وبين الخوض في القدر بالباطل -الواجب اجتنابه والتحذير منه-.
وحدُّ ذلك يكون بمراعاة الفوارق بين الكلام في القدر بعلمٍ، وبين الخوض المحرَّم من عدَّة اعتباراتٍ: باعتبار النيَّة والقصد من الكلام، وباعتبار المتكلِّم، وباعتبار المتكلَّم فيه، وباعتبار طريقة الكلام.
٢٩) اختلف الناس في مسألة الأسباب والمسبَّبات على أربعة أقوالٍ:
القول الأول:(قول أهل السنَّة).
يثبتون الأسباب، ويقولون: إن قدرة العبد مع فعله لها تأثيرٌ كتأثير سائر الأسباب في مسبَّباتها، وليس لها تأثير الخلق والإبداع، والله تعالى خلق الأسباب والمسبَّبات. والأسباب ليست مستقلَّةً بالمسبَّبات؛ بل لا بدَّ لها من أسبابٍ تصحِّحها وأخرى تمانعها، والمُسَبَّبُ لا يكون حتى يخلق الله جميع أسبابه ويدفع عنه جميع أضداده المعارضة له، والله هو المتفرِّد بخلقها وإيجادها أو إعدامها.