للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له في حكمه، وهو سبحانه الصادق العدل، كما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنعام: ١١٥]؛ فإن الكلام إما إنشاءٌ، وإما إخبارٌ؛ فالإخبار صدقٌ لا كذبٌ، والإنشاء أمر التكوين وأمر التشريع عدلٌ لا ظلمٌ، والقدريَّة المجوسيَّة كذَّبوا بما أخبر به عن خلقه وشرعه من أمر الدِّين، والإبليسيَّة جعلوه ظالمًا في مجموعهما أو في كلِّ منهما (١).

كما أن في دعاء الكرب -وهو قول النَّبِي : «اللهم إنِّي عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصِيَتِي بيدك، ماضٍ فِيَّ حكمك، عدلٌ فِيَّ قضاؤك … » (٢) - ردًّا على الطوائف المخالفة في القدر.

فقوله: «ماضٍ فِيَّ حكمُك»؛ ردٌّ على القدريَّة الذين ينكرون قدرته سبحانه على العبد؛ فليس عندهم لله حكمٌ نافذٌ في عبده غير الحكم الشرعيِّ بالأمر والنهي، ففي هذه اللفظة ردٌّ عليهم، وبيان أن حكم الله في العباد نافذٌ، وهذا الحكم هو الكونِيُّ القدريُّ، ولا يمكن حمله على الحكم الشرعيِّ؛ فإن العبد يطيع الله تارةً ويعصيه تارةً.

وفي قوله: «عدلٌ فِيَّ قضاؤك»؛ ردٌّ على الجبريَّة الذين نسبوا الله إلى الظلم بدعوى الجبر على المعصية ثم العقوبة عليها.

فاللفظ الأوَّل: توحيدٌ، واللفظ الثاني: عدلٌ (٣).


(١) مجموع الفتاوى (١٦/ ٢٤٤ - ٢٤٥).
(٢) أخرجه أحمد (٦/ ٢٤٦) (٣٧١٢)، وصحّحه الألبانِي في صحيح الكلم الطّيّب (ص: ٧٤)، قال : «حديثٌ صحيحٌ، وقد كنتُ ذكرتُ خلاف هذا في تعليقي على أحاديث شرح العقيدة الطّحاوية، ثم بدا لِيَ أنّه صحيحٌ في مقالٍ طويلٍ، وبحثٍ دقيقٍ أعددتُهُ لينشر -إن شاء الله تعالى- في سلسلة الأحاديث الصّحيحة».
(٣) انظر: شفاء العليل (٢/ ٧٥٣).

<<  <   >  >>