للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن القيِّم : «قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧]، وقال: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: ١١٥]؛ فهداهم هدى البيان والدلالة؛ فلم يهتدوا؛ فأضلَّهم عقوبةً لهم على ترك الاهتداء أوَّلًا بعد أن عرفوا الهدى فأعرضوا عنه، فأعماهم عنه بعد أن أراهموه، وهذا شأنه سبحانه في كلِّ مَنْ أنعم عليه بنعمةٍ فكفرها؛ فإنه يسلبه إيَّاها بعد أن كانت نصيبه وحظه» (١).

وقال : «والله سبحانه ماضٍ في العبد حكمه، عدلٌ في عبده قضاؤه، فإنه إذا دعا عبده إلى معرفته ومحبَّته وذكره وشكره فأبى العبد الا إعراضًا وكفرًا؛ قضى عليه بأن أغفل قلبه عن ذكره وصدَّه عن الإيمان به، وحال بين قلبه وبين قبول الهدى، وذلك عدلٌ منه فيه» (٢).

فظهر بهذا أن الهداية فضلٌ من الله، والإضلال عدلٌ، ولهذا شرع الله لنا سؤاله هذه الهداية.

قال ابن القيِّم : «وأمر سبحانه عباده كلَّهم أن يسألوه هدايتهم الصراط المستقيم كلَّ يومٍ وليلةٍ في الصلوات الخمس» (٣).

كما أن مِنْ الوجوه التي تُرَدُّ بها الشبهة السابقة: أن هداية الله لمن شاء من خلقه مِنْ باب التوفيق، وإضلاله لمن شاء من باب الخذلان، والتوفيق إعانة الله للعبد، والخذلان ترك الإعانة، فلا يُتصوَّر مع هذا الظلم.

قال ابن القيِّم : «وقد أجمع العارفون بالله على أن الخذلان: أن يكلك


(١) شفاء العليل (١/ ٢٦٤).
(٢) المصدر نفسه (١/ ٢٧٩).
(٣) المصدر نفسه (١/ ٢٦٨).

<<  <   >  >>