ويثبت أهل السنة لله الحكمة البالغة في خلقه وأمره مع كمال القدرة ونفوذ مشيئته في تدبير شؤون خلقه قدرًا وشرعًا.
والمعتزلة أثبتوا لله حكمةً وعدلًا، وأنكروا قدرة الله على أفعال العباد وخلقه لها ومشيئته لها؛ بدعوى معارضة ذلك للحكمة والعدل في الثواب والعقاب. والجهميَّة والأشعريَّة أثبتوا له قدرةً ومشيئةً نافذةً بلا حكمةٍ؛ بدعوى أن الفعل لعلَّةٍ يستلزم الحاجة والنقص، والله متنزِّهٌ عن ذلك ويتنافى مع قدرته. والله تعالى يقول: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان: ٣٠]؛ فقد أثبت تعالى لنفسه مشيئةً نافذةً في أعمال العباد مع العلم والحكمة.
فإثباته للمشيئة النافذة ردٌّ على المعتزلة القدريَّة نفاة القدرة، وإثباته للعلم والحكمة ردٌّ على الجهميَّة والأشعريَّة نفاة الحكمة، فسبحان العليم الحكيم؛ فما من محدثةٍ وبدعةٍ إلا اشتمل كتابه على دحضها وردِّها.
ونظير هذه الآية من السنَّة قول النَّبِيِّ ﷺ في دعاء الكرب:«اللهمَّ إنِّي عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصِيَتِي بيدك، ماضٍ فِيَّ حكمك، عدلٌ فِيَّ قضاؤك … »(١)؛ ففيه ردٌّ على الطائفتين.
ففي قوله:«ماضٍ فِيَّ حكمُك» ردٌّ على المعتزلة القدريَّة الذين ينكرون قدرته سبحانه على أفعال العباد ومشيئته لها.
وفي قوله:«عدلٌ فِيَّ قضاؤك» ردٌّ على الجهميَّة والأشعريَّة المجبرة الذين ينكرون حكمته وعدله في تدبير شؤون خلقه.
قال ابن القيِّم: «ومَن تأمَّل كلام سلف الأمَّة وأئمَّة أهل السنَّة رآه ينكر قول الطائفتين المنحرفتين عن الوسط، فينكر قول المعتزلة المكذِّبين بالقدر، وقول