للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي مرحلة التفسير تَأَثَّرَ سيبويه بالبيئة الفلسفِيَّة في البصرة، تلك البيئة التي تغذَّت علميا بكتب الفلسفة التي ترجمها المترجمون، وخاصة الكتب التي احتوت منطق أرسطو.

وإذا كان الواقع اللغويّ لا يعطي عددا كبيرا من الأمثلة «يسمح» باستخلاص «قياس أكثري» توقف عن تعميم القياس للتركيب المستخلص من هذه الأمثلة القليلة، وطالب أَنْ يظل هذا التركيب مقصورا على الأمثلة التي أتى فيها. في ضوء ذلك نفهم قول سيبويه:

- «ولو قالت العرب: ((اضرب أيٌّ أفضل)) لقلته، ولم يكن بد من متابعتهم، ولا ينبغي لك أَنْ تقيس على الشاذ المنكر في القياس») (١).

- وقوله: «هو مني منزلة الشغاف، وهو مني منزلة الولد، هو مني معقد الإزار، هو مني درج السيل»، ثُمَّ يفسر معنى هذه الظروف أَنَّ قائليها أرادوا القرب الشديد، ثُمَّ يقول بعد هذا التوضيح: «وليس يجوز هذا في كل شيء، لو قلت: هو منّى مَجْلِسَكَ أو مُتَّكأَ زيدٍ، أو مَربِطَ الفرسِ، لم يجز. فاستَعملْ من هذا ما استَعملتِ العربُ، وأَجِزْ منه ما أجازوا») (٢).

- «ودُونَك لم يؤْخَذ من فعلٍ، ولا عندك، فَإِنَّما يُنتَهَى فيها حيث انتهتِ العربُ») (٣).

» الملحوظة الثانية: أَنَّهُ يبدو أنَّ هذا الاتجاه الإِحْصَائِيّ أخذه سيبويه عن أستاذه الخليل لقوله:

«وزعم الخليل ــ رحمه الله ــ أَنَّهُ سمع أعرابيا يقول: ما أنا بالذي قائل لك شيئا. وهذه قليلة ... وقلَّ من يتكلم بذلك») (٤).

» الملحوظة الثالثة: تمكن سيبويه من خلال هذا الاتجاه الإِحْصَائِيّ أَنْ يفسر بعض المسائل النحوِيَّة، مثل قوله: «وإذا كان الاسم على بناء فَعَالِ: حَذَامِ ورَقَاش، لا تدري ما أصله، أمعدول أم غير معدول، أم مؤنث أم مذكر؛ فالقياس فيه أَنْ تصرفه؛ لأَنَّ الأكثر من هذا البناء مصروف غير معدول، مثل: الذهاب، والصلاح») (٥).


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٤٠٢
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤١٤
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٥٢
(٤) الكتاب، ٢/ ٤٠٤
(٥) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٢٨٠، وينظر أيضا: ٣/ ٤٦٢

<<  <   >  >>