للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما وقع للباحث أثناء البحث ــ وله علاقة بكلامنا هنا ــ عبارةٌ مُهِمَّة للسيرافي، كان يتحدَّث فيها عن الكلام «المعمول المحكم» في معرض حديثه عن «بدل الغلط» حيث يقول: «وبدل الغلط لا يجوز أَنْ يقع في شعر ولا قرآن، ولا كلام معمول محكم، إِنَّمَا يجيء في الكلام الذي يبتدؤه الإنسان على جهة سبق اللسان إلى الشيء الذي يريده فيلغيه؛ حتى كَأَنَّه لم يذكره بلفظ مما يريده») (١). إذن فالشعر والقرآن والسنة الصحيحة هي كلام معمول محكم مطلوب إثراؤه دِلالِيًّا.

أما النصوص غير الأدبيَّة كالنصوص العلميَّة والمقالات الصحفيّة فَإِنَّ وجود لبس فيها بوجه عام يتنافى مع طبيعتها، وإذا وجد لبس في بعضها فهو عارض نادر يعاب عليه صاحبه.

وفي ضوء التعدد الدِّلَالِيّ للتراكيب النحوِيَّة عند سيبويه قد نقدم تفسيرا آخر لعبارة الجَرْمىِّ الشهيرة التي قال فيها: «أنا مُذْ ثلاثون أُفتِى الناس في الفقه من كتاب سيبويه») (٢). أي أَنَّ الجَرْمىَّ استغل الدلالات المختلفة التي ربطها سيبويه بالتراكيب اللُّغَوِيَّة في إثراء المعاني المستنبطة من الأحاديث النبَوِيَّة. وكثرة الدلالات يدل على كثرة الجوانب الفقهية التي يمكن أَنْ تُغَطَّى بهذه الدِّلَالَة. وكمثال على هذا فالتركيب الذي ذكر في المثال الثاني: ((سرتُ حتى أدخلها))

«جملة) سببية (+ حتى) الابتدائية (+ [فعل مضارع مرفوع + فاعل ... ) جملة مسببة (]»

يربط الفعل المضارع بدلالتين: دلالة الحال ودلالة الحكاية عن الزمن الماضي، وبمجرد ذكر التركيب تذكر الدلالتان.

••الأمر الثاني: العلامة الإعرابِيّة تلعب دورا مهمًّا في تحديد الدِّلَالَة ليس فقط الدِّلَالَة النحوِيَّة من فاعليَّة ومفعوليَّة بل تلعب أيضا دورا في تحديد الدِّلَالَة السِّياقِيَّة، فعندما أقول: سرتُ حتي أدخلَ البلد، بنصب الفعل فَإِنَّ الكلام هنا يدل على المستقبل، فالفتحة هنا لها دلالة سِيَاقِيَّة زمَنِيَّة إذ تدل على المستقبل. وعندما أقول: سرت حتى أدخلُها، فالضمة هنا تستدعي دلالتين: الحالِيَّة أو دلالة الحكاية على الزمن الماضي؛ لذلك قال بعض المحقِّقين: إِنَّ السبب الحامل على


(١) د. السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ٢/ ١١
(٢) سيبويه: الكتاب، المقدمة ١/ ٥ ــ ٦

<<  <   >  >>