للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر وضوحا هنا فنقول إِنَّهُ مما يثير الانتباه ويدعو إلى الإعجاب بصاحب الكتاب، أَنَّه وصل الوعي اللغويّ به ليس فقط في أَنْ يُنَمِّط التراكيب ويتَتَبَّعها إِحْصَائِيّا ويربط بينها وبين دلالة سِيَاقِيَّة مُعَيَّنة ــ بل وصل الأمر إلى تتَبُّعها تاريخيا، ودليل ذلك:

- في باب له بعنوان: «هذا باب ما جاء معدولا عن حَدِّه من المؤنث» يناقش فيه الأسماء التي على وزن «فَعَالِ» إذا سُمِّيَت به امرأة، ويوضح أَنَّ بني تميم ترفعه وتنصبه، وتجريه مجرى اسم لا ينصرف. أَمَّا الحجازيُّون فلم يغيِّروا فيه وأبقوه على بنائه، ويُستثْنَى من ذلك ما كان آخره راء فَإِنَّ التميميِّين يتفقون مع الحجازيِّين في التعامل مع هذا البناء إذا سُمِّيَت به امرأة. يقول سيبويه: «فأما ما كان آخره راء فَإِنَّ أهل الحجاز وبني تميم متّفِقون، ويختار بنو تميم فيه لغة أهل الحجاز كما اتفقوا في يَرى والحجازِيَّة هي اللُّغَة الأُولى القُدْمى») (١).

- يعقد بابا كاملا يجعل عنوانه: «هذا باب ما أجري مُجري ليس في بعض المواضع بلغة أهل الحجاز ثُمَّ يصير إلى أصله») (٢).

- ويقول: «وحذفوا الفعلَ من إيَّاك لكثرة استعمالهم إياه في الكلام؛ فصار بدلا من الفعل، وحذفوا كحذفهم حينئذ الآن؛ فكَأَنَّه قال: احذرِ الأسد» (٣).

ولا يقتصر التتَبُّع التاريخي للتركيب النَّحْوِيّ بل يمتد للأبنية الصَّرْفِيَّة، يقول:

o ((ألا ترى أَنَّ «تَفْعَلُ ويَفْعَلُ» في الأسماء قليل، وكان هذا البناء إِنَّمَا هو في الأصل

للفعل)) (٤).

o «وأَفْعَلٌ لا يعرف في الكلام فعلا مستعملا» (٥).


(١) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٢٧٨ وينقل المحقق أ / عبد السلام هارون في الحاشية ذات الرَّقْم ٢ عن السيرافي قوله:
((يعني أن بني تميم تركوا لغتهم في قولهم: هذه حضار وسفار، وتبعوا لغة أهل الحجاز بسبب الراء))
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٥٧ ومعنى الكلام هنا أن أهل الحجاز أعملوا ما النافية تشبيهًا لها بـ ((ليس))، أي لكونها مثلها لنفي الحال عند الإطلاق، وترك بنو تميم إعمالها، وأجروها مجرى هل، ونحوها مما لا يعمل
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٧٤، وقال المحقق أ/ هارون في الحاشية ذات الرَّقْم ٣ في تفسير قول سيبويه: ((فكَأَنَّه قال: احذرِ الأسد)): ((أي في قولهم: إياك والأسد)).
وفي الحقيقة استغل سيبويه هذا التتبع التاريخي لمناقشة الحذف في الجملة في أكثر من ثلاثمائة موضع. ينظر أيضا ٢/ ١٣٠
(٤) سيبويه: الكتاب، ٣/ ١٩٧، وينظر مثال مهم جدًا في التتبع التاريخي للبنية الصرفِيَّة ٣/ ٥٨٩ وما بعدها وينظر أيضا: ١/ ٤٢٠، ١/ ٢١٢، ٢/ ١٨٥، ٣/ ٢٢٣
(٥) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٢٠٤

<<  <   >  >>