للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يستفاد هنا من نصي الخليل أَنَّ كسر همزة إِنَّ وفتحها تتأثر بسياق الحال الذي تقع فيه الجملة، وأنَّ الفتح أو الكسر نفسه قد يكون له تأثير على دلالة الجملة) (١).

ــ ومن الأمثلة الأخرى التي تدلُّ على أَنَّ إمكانيَّة سكوت المُتَكَلِّم تؤثر في التوجيه الإعرابِيّ مناقشتُه لقول القائل: «إِنَّ يكن إتيان فحديثٌ»، ففي هذه الجملة يتحكم في صحتها والتوجيه الإعرابِيّ لكلمة

«حديث» سكوتُ المُتَكَلِّم ووقوفه. فَإِنَّ الجملة السابقة تكون مكتملة في معناها إذا سكت المُتَكَلِّم على

«فحديثٌ». على اعتبار أَنَّ المُتَكَلِّم جعل «فحديثٌ جوابا ولم يعطف «فحديثٌ» على الاسم الذي

قبلها، وترتفع الكلمة بالابتداء») (٢). وفي مُكْنة المُتَكَلِّم ألا يقف عند «فحديثٌ» ويعطفها على ما قبلها، وفي هذه الحال تكون الجملة في حاجة إلى ما يكمل معناها؛ فتكون الجملة «إِنْ يكن إتيان فحديثٌ أحدثْك») (٣). ونزيد هذا الأمر وضوحا كما يلي:

» إن يكن إتيانٌ فحديثٌ) مع السكوت بنَغْمَة هابطة ( ... الجملة صحيحة.

» إن يكن إتيانٌ فحديثٌ) مع السكوت بنَغْمَة غير هابطة من المُتَكَلِّم ( ... الجملة غير صحيحة وغير مكتملة.

ويمكن أَنْ نضيف معنى ثالثا لهذه الجملة، فهي يمكن أَنْ تكون ــ بتكييف صوتي ما ــ سؤالا:

» إن يكن إتيانٌ فحديثٌ؟ ) مع النسق النغمي لجملة الاستفهام ( ... الجملة صحيحة.

وسيبويه وإن لم يُشِر إلى هذه السكتات هنا إلا أَنَّه لا يمكن فهم جملته إلا في ضوء هذا التحليل الصوتي.

ــ ونضرب مثالا ثالثا على أَنَّ سكوت المُتَكَلِّم يُثري التوجيه الإعرابِيّ والنَّحْوِيّ بما قاله سيبويه في قول من قال: «لا آمرًا بالمعروف لك»، حيث يجوز في آمر:

• النصب وظهور التنوين) اسم لا النافية للجنس شبيه بالمضاف (.

• ويجوز البناء على الفتح لاسم لا أيضا.

يقول سيبويه نقلا عن الخليل: «كذلك لا آمِرًا بالمعروف لك، إذا جعلت بالمعروف من تمام الاسم وجعلتَه متصلا به، كَأَنَّك قلت: لا آمِرًا معروفا لك. وإن قلت: لا آمِرَ بمعروف، فكَأَنَّك جئت


(١) ومما ذكره الرضي في شرحه على كافية ابن الحاجب ويؤكد تأثير إرادة المتكلم المرتبطة بالسياق قوله:
((وتقول: أَمَّا في الدار فإنَّك قائم بالكسر، إذا قصدت أنَّ قيام المخاطب حاصلٌ في الدار، وأمَّا إن أردت أنَّ: في الدار هذا الحديث وهذا الخبر فإنَّه يجب الفتح)). القسم الثاني، ج ٢ ص ١٢٥٦
(٢) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٨٩
(٣) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٨٩

<<  <   >  >>