للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الحال؛ فتقديره: فإذا هو مشبها صوت حمار، أو ممثلا صوت حمار. ويجوز أَنْ تنصب بإضمار فعل على تقدير: فإذا له صوت يصوت صوت حمار») (١). والرفع على أساس أَنَّه نعت أو بدل.

واختلف النُّحَاة في الوجه الراجح منهما؛ فقيل «إِنَّ الرفع مرجوح؛ لأَنَّ الثاني ليس هو الأول والنصب السالم من هذا المجاز، وذهب ابن عصفور إلى أنَّهما متكافئان؛ لأَنَّ في النصب التقدير، والأصل عدمه») (٢). ويعلق د. فاضل السامرائي على هذا بقوله: «وفي هذا الترجيح نظر؛ لأَنَّ معنى الرفع غير معنى النصب؛ وأنت تعبِّر بحسب المعنى الذي تريد؛ فلا تكافؤ ولا ترجيح») (٣).

وما نريد أَنْ نثبته هنا أَنَّ توجيه النصب والرفع يتوقَّف على إرادة المُتَكَلِّم وسياق حاله، فهو الذي يُعَبِّر عن المعنى الذي يريده كما يقول الدكتور السامرائي، وهذا ما يفهم من كلام سيبويه على جملة «له صوتٌ صوتَ حمار» في باب: «ما ينتصب فيه المصدر المشبه به» إذ يقول: «فَإِنَّما انتصب هذا لأَنَّكَ مررت به في حال تصويت، ولم ترد أَنْ تجعل الآخر صفة للأول ولا بدلا

منه») (٤).

إذا اتجهت الإرادة بعد «إعمال الذهن» و «بدافع السِّياق» إلى النعت أو البدلية بما لهما من معاني سِيَاقِيَّة) (٥) فالرفع، وإذا اتجهت الإرادة إلى الحال أو المصدر، بما يتضمنان من معنى التشبيه فالنصب.

ومن الأمور التي يُوَجَّهُ النظرُ إليها أَنَّ سيبويه يقرِّر أَنَّ حالة الرفع في الجملة السابقة وما يشبهها مثل: «فلان له علمٌ علمُ الفقهاء»، و «له حسبٌ حسبُ الصالحين» تعبر عن أمور ثابتة مستكملة في المخاطب، فإذا أراد المُتَكَلِّم أَنْ يُعَبِّر عن هذا الثبات والاستكمال لجأ إلى حالة الرفع هذه، وإن أراد المُتَكَلِّم في نفس الجمل السابقة أَنْ يُعَبِّر عن أمور لم تصل إلى درجة الثبات والاستكمال وتتعرض للتجدد والطروء استخدم حالة النصب. هذا ما يُفْهَم من نصّ سيبويه التالي:


(١) ابن يعيش: شرح المُفَصّل للزمخشري، قدم له ووضع هوامشه وفهارسه د. إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمِيَّة بيروت لبنان، ط ١، ) ٢٠٠١ م (، ١/ ٢٨٤
(٢) خالد الأزهري: شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو، دار الكتب العلمِيَّة، بيروت، ط ١، ) ٢٠٠٠ م (، ١/ ٥٠٧
(٣) معاني النحو: ٢/ ١٧٤
(٤) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٥٦، ويقول الأستاذ هارون في الحاشية ذات الرَّقْم ((١)) من نفس الصفحة: ((في إحدى النسخ ((وبدلا منه)). قال السيرافي: يعني أنك لم ترد أن تجعله نعتا ولا بدلا منه؛ فترفع)).
(٥) سنتكلم عنها بالتفصيل في ((السِّياق والتوابع)).

<<  <   >  >>