للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ ــ المثال الرابع:

في قولنا: «إِنَّ زيدًا منطلق لا عمرو» و «إِنَّ زيدًا منطلقٌ وسعيدٌ» فَإِنَّ سيبويه يجيز في كلمتي «عمرو وسعيد» وجهين إعرابيين: الأول: الرفع على الابتداء، والثاني: النصب عطفا على زيد. وإذا استبدلنا «لعل أو ليت أو كَأَنَّ» بـ «إِنَّ» في الأمثلة السابقة وقلنا مثلا: «ليت زيدًا منطلق وعمرًا»؛ فإِنَّهُ في هذه الحالة لا يجوز في «عمرو وسعيد» إلا النصب، يقول سيبويه: «واعلم أَنَّ لَعلَّ وكَأَنَّ وليت ثلاثتهن يجوز فيهن جميع ما جاز في إِنَّ، إلا أَنَّهُ لا يرفع بعدهن شيء على الابتداء، ومن ثَمَّ اختار الناسُ ليتَ زيدا منطلقٌ وعمرًا وقَبُح عندهم أن يحملوا عمرا على المضمر حتى يقولوا هُوَ، ولم تكن ليتَ واجبةً ولا لَعَلَّ ولا كأَنَّ، فقبُح عندهم أن يُدخلوا الواجبَ في موضع التَّمَنِّى فيصيروا قد ضموا إلى الأوَّل ما ليس على معناه بمنزلة إن») (١).

قال ابن السَّرّاج معلقا وموضحا نص سيبويه السابق: «يعني أنَّكَ لو قلت: ليت زيدًا منطلق وعمرو، فرفعت عمرا كما ترفعه إذا قلت: إنَّ زيدا منطلق وعمرو، فعطف عمرا على الموضع، لم يصلح من أجل أنَّ ليت وكأنَّ ولعلَّ لها معان غير معنى الابتداء، وإنَّ: إنَّما تؤكِّد الخبر والمعنى معنى الابتداء والخبر، ولم تُزل الحديث عن وجوبه وما كان عليه») (٢).

إذن السبب في عدم جواز الرفع على الابتداء في الاسم الواقع بعد هذه الحروف ــ كما يقول ابن السراج وكما قال السيرافي ــ أَنَّ «حمل المعطوف على هذه الحروف على الابتداء يغير المعنى الذي أحدثته هذه الحروف من التمني والتشبيه والترجي؛ فلذلك لم يحملوه على الابتداء») (٣). إن الرفع يقتضي الخبرية، والمبتدأ محذوف، ومن يُخبر يخبر بشيء وقر لديه في الماضي، واستخدام ليت / لعل، يدل على المستقبل فالرفع مع لعل فيه نوع من التناقض في المعنى؛ لذلك منع سيبويه الرفع.

والتمني والتشبيه والرجاء أمور ترتبط بالمُتَكَلِّم الموجود في سياق حال ما؛ أي أَنَّ تمنِّي المُتَكَلِّم ورجاءه وتشبيهه كانت قرائن سِيَاقِيَّة منعت توجيه الرفع. فهو الذي أتى بهذه الأدوات بدافع السياق لكي يتمنَّى أو يشبّه أو يترجَّى.


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١٤٦
(٢) الأصول: ١/ ٢٤١
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١٤٦، الحاشية ذات الرَّقْم ٤ حيث نقل الأستاذ هارون كلام السيرافي.

<<  <   >  >>