للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من التراكيب النحوِيَّة التي تناقش في باب الاشتغال التراكيب التي تمثلها الجمل التالية: «إنِّي زيدٌ لقيته، وأنا عمرو ضربته، وليتني عبدُ الله مررت به»، وهي جمل يجوز في الأسماء «زيد، عمرو ــ عبد الله» نصبها، ورفعها، والاختيار الرفع) (١).

ومع هذا نجد سيبويه عند توجيهه لقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القمر: ٤٩ يقول:

«فأما قوله عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} فَإِنَّما هو على قوله: زيدًا ضربته، وهو عربي

كثير») (٢).

أي أَنَّهُ يختار النصب في الاسم المشغول عنه «كل»، مع أَنَّ الآية تشبه في تركيبها الجمل التي ذكرناها آنفا، أي أَنَّهُ من المفروض أَنْ يكون الأولى الرفع، فلماذا منع الرفع وأجيز النصب مع أَنَّ الرفع أولى؟ السبب هو وجود قرينة يمكن أَنْ نسميها قرينة «الخلفيَّة العَقِيدِيّة الشَّرْعِيَّة». إِنَّنَا إذا قلنا بالرفع فمن الممكن أَنْ يكون معنى الآية: أَنَّ هناك ما خلقه الله وهناك ما لم يخلقه، وأنَّ ما خلقه خلقه بقدر؛ أي أَنَّ توجيه الرفع يُفقدُ الآية عمومها، يقول السيرافي: «يجوز أَنْ يكون «خلقناه» نعتًا لـ «شيء»، و «بقدر» خبر لكل، ولا يكون فيه دلالة على خلق الأشياء كلها، بل يدل على أَنَّ ما خلقه منها خلقه بقدر») (٣). وهذا تفسير فاسد. أَمَّا على النصب فالآية تفيد العموم، أي أَنَّ كل شيء قد خلقه الله بقدر.

وسيبويه لم يشر إلى هذه القرينة، ولكن سياق الكلام يشير إلى أَنَّهُ لجأ إليه.

تلك ستة أمثلة توضح دور قرينة سياق الحال في التوجيه النَّحْوِيّ، وأنَّها قد تسمح بتوجيه وتمنع آخر) (٤).


(١) السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ٢/ ٧، ويقسم العلماء حالات إعراب الاسم المشغول عنه إلى أربعة حالات: تارة يترجح نصبه، وتارة يجب، وتارة يترجح رفعه وتارة يجب، وتارة يستوي الطرفان، ويترجح رفع الاسم المشغول عنه إذا لم يأت في حالة من الحالات الثلاث السابقة. ينظر: ابن هشام: قطر الندى وبل الصدى، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، ط ١١، ) ١٣٨٣ هـ (، ص ١٩٣ وما بعدها.
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ١٤٨
(٣) شرح كتاب سيبويه: ٢/ ٨
(٤) ومن المواضع التي رصدناها لدور قرينة السِّياق في التوجيه الإعرابِيّ الموضع ١/ ٣٠٤ عند مناقشة سيبويه لجملة ((أنت وشأنك))، والموضع ١/ ٣٩١ عند مناقشته لجملة ((بايعته يدًا بيد))، والموضع ١/ ٩١ عند توجيهه لكلمة ((طائفة)) في قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} آل عمران: ١٥٤، وما قاله السيرافي من توجيهات أخرى لنفس الكلمة [١/ ٣٨٨]، والموضع ١/ ٣١٩ عند مناقشته للمصادر التي تنصب بفعل محذوف مختزل، ومنها ((حمدًا وشكرًا لا كفرًا ... )) ومناقشة قوله تعالى: {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الأعراف: ١٦٤، وهو من المواضع المُهِمَّة التي لم نثبتها في المتن خوف الإطالة

<<  <   >  >>