للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقي أَنْ نشير هنا إلى أَنَّهُ في بعض الأحيان قد تمتزج قرينة سياق الحال مع قرينة المعنى اللغويّ في التوجيه النَّحْوِيّ، وهذا ما فهمتُه من مناقشة سيبويه للجمل التالية:

أما علمت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا.

ب ما ضربت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا.

ت ما رأيت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا.

في الجملة الأولى «أ» المستثنى «زيد» يجوز فيه النصب، وقال سيبويه «وإن شئت

رفعت») (١).

ووجه إجازة النصب أَنَّهُ «على الاستثناء، أو على البدلية من كلمة «أحد» المنصوبة، ويجوز فيها الرفع على البدلية من الفاعل المستتر في الفعل المضارع») (٢). والأولوية هنا للنصب فهو الأولى كما يقول سيبويه: «وإِنَّمَا اختير النصب هنا؛ لأنَّهم أرادوا أَنْ يجعلوا المستثنى بمنزلة المبدل منه ... وهذا وصف أو خبر») (٣). أي أَنَّ أسلوب الاستثناء هنا تام منفي فيجوز في المستثنى النصب على الاستثناء أو البدل من المستثنى منه المنصوب في الجملة السابقة. واختيار النصب تبع لـ

«إرادة المُتَكَلِّم وسياق حاله» كما أشار سيبويه عاليه.

أما الجملة الثانية «ب» لا يجوز فيها إلا النصب؛ «وذلك لأَنَّكَ أردت في هذا الموضع أَنْ تخبر بموقوع فعلِك؛ ولم ترد أَنْ تخبر أَنَّهُ ليس يقول ذاك إلا زيدٌ، ولكنك أخبرت أَنَّكَ ضربت ــ ممن يقول ذاك ــ زيدًا») (٤). في هذه الجملة يريد المُتَكَلِّم أَنْ يخبر بـ «على من وقع ضربه»، ولم يرد أَنْ يخبر أَنَّ جملة «ما ضربت أحدًا» من أقوال زيد؛ أي أَنَّهُ لم يرد أَنْ يقول: يقول زيدٌ: ما ضربت أحدًا. وأحد الأسباب التي منعت هذا التوجيه إرادة المُتَكَلِّم المرتبطة بسياق الحال. ولكن هناك سبب آخر، ما هو؟

إذا وضعنا الجملتين السابقتين تحت بعضهما، هكذا:

• ما علمت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا.


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣١٣
(٢) أ / عباس حسن: النحو الوافي، ٢/ ٣٣٧
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣١٣
(٤) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣١٣

<<  <   >  >>