للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• ما ضربت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا.

وتساءلنا ما الفرق بين الجملتين الذي جعل الأولى لها توجيهان إعرابيان وجعل للثانية توجيها إعرابيا واحدًا؟ الجملتان تركيبهما واحد: «أداة نفي) ما (+ فعل متعدي + مفعول به + جملة فعلِيَّة وصفية + أداة استثناء) إلا (+ مستثنى منصوب»، والجملتان تتدخَّل فيهما إرادة المُتَكَلِّم. لم يبق هنا من فارق سوى «المعنى اللغويّ للفعل المتعدي»، وهذا يعني أَنَّ سياق الحال يندمج مع المعنى اللغويّ أحيانا في التوجيه النَّحْوِيّ. ويؤكد كلامنا هذا الجملة الثالثة «ج»؛ فيتوقَّف المنع والإجازة على المعنى المراد من «رأيت»، فإذا كان السِّياق يشير إلى أَنَّ رأى قلبية بمعنى علمت؛ فيجوز الوجهان، وإذا كان السِّياق يشير إلى أنَّها بصرية بمعنى شاهدت؛ فيجوز وجه واحد فقط) (١).

وقبل أَنْ أترك الكلام هنا أحبُّ أَنْ أشير إلى منهجِيَّة بسيطة تعلمها الباحث من سيبويه، واستغلها في مناقشة المثال السابق. هذه المنهجِيَّة هي «أَنَّ سيبويه كان يأتي بالتراكيب اللُّغَوِيَّة المتقاربة والمتشابهة ويقارنها ببعضها البعض ويخرج من خلال هذه المقارنة بالفروق الدِّلالِيَّة بينها»، وقد كان هذا ديدنه على مدار صفحات الكتاب. وهذه الآلية المنهجِيَّة تذكرنا بآلية منهجِيَّة شبيهة عند علماء اللُّغَة المعاصرين وهي آلية ((الثُّنائِيَّة الصغرى Minimal pair») (٢) . وهي آلية خاصة بتحديد الأصوات الموجودة في لغة ما من خلال مقارنة لفظتين مختلفتي المعنى أو أكثر مثل: «تاب، طاب ناب ... ». ومقصدي من هذا الكلام هو إبراز التشابه الواضح بين الفكرتين والطريقتين من خلال المقارنة وإن كان مجال سيبويه التراكيب اللُّغَوِيَّة، ومجال الـ Minimal pair الأصوات اللُّغَوِيَّة.

بقيت كلمة ختامية نقولها في ختام حديثنا عن الجزئيَّة التي عَنْوَنَّاها بـ «تَحَرُّك سيبويه بحُرِّيَّة في توجيهاته النحوِيَّة في حالة أمن اللَّبس» أقول فيها:


(١) ومن المواضع الأخرى التي لاحظنا فيها تفاعلا بين قرينة السِّياق والفرينة اللُّغَوِيَّة الموضع ٣/ ١٠٠، عند مناقشة سيبويه لجملة ((اتقى الله امرؤ وفعل خيرًا يثب عليه)).
(٢) ينظر ترجمة المصطلح: د. محمد حسن باكلا وآخرون: معجم مصطلحات علم اللُّغَة الحديث، مكتبة لبنان، لبنان، ط ١، ) ١٩٨٣ م (، ص ٥٤، ويقول ديفيد كريستال عن هذه الآلية: ((واحدة من الإجراءات المكتشفة والمستخدمة في علم الأصوات لتحديد ما إذا كانت الأصوات تنتمي إلى نفس الفئة أو الفونيم. وعندما يختلف معنى كلمتين بسبب تغيير حرف واحد فيهما نكون بصدد ثنائية صغرى، على سبيل المثال: pin، bin ... )) ونص ديفيد كريستال:
((Minimal pair: One of the discovery procedures used in phonology to determine which sounds belong to the same class, or phoneme. Two words which differ in meaning when only one sound is changed are referred to as a 'minimal pair', e.g. pin v. bin ... )) والترجمة للباحث.
David Crystal,A dictionary of linguistics and phonetics, P.٣٠٧

<<  <   >  >>