للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن سيبويه بهذه النصوص التي استغل فيها قرينة سياق الحال في التوجيه النَّحْوِيّ يضع نصب عينيه هذه القرينة في التوجيه، وهو كما وصفه العلماء بـ «إمام النُّحَاة» ورأس من رءوس المدرسة البصرية يجب أَنْ يقتفى أثره في هذا.

ومن المبادئ التي يمكن استفادتها من نصوص سيبويه السابقة أَنَّنا في التوجيه الإعرابِيّ والنَّحْوِيّ تكون كل الخيارات التوجيهية النحوِيَّة متاحة، إِنْ كانت هناك خيارات إعرابية لهذا التركيب أو ذاك لها شرعية وجود ــ بالاستقراء أو بالقياس ــ في النصوص اللُّغَوِيَّة، وتكون إتاحة هذه الأوجه الإعرابِيّة مرتبطة بعدم وجود قرينة تمنع هذا التوجيه أو ذاك.

كما نتعلم من سيبويه ومن غيره أيضا أَنَّنا يجب ربط التوجيه النَّحْوِيّ بالسِّياق الذي قيل فيه الكلام كلما أمكن ذلك وإلا وقعنا في فوضى إعرابية.

***

في ختام هذا المبحث الثاني نَوَدّ أَنْ نذكر الملحوظات والتأَمُّلات المُهِمَّة التالية:

١ ــ العادة والعرف الاجتماعيّان في البيئة المُعَيَّنَة مما يدخلان في قرينة سياق الحال، ومن الممكن أَنْ تتدخَّل في التوجيه النَّحْوِيّ، وعدم أخذه في الاعتبار قد يوقع من يقوم بالتوجيه النَّحْوِيّ في خطأ.

من ذلك مثلا أَنَّ سيبويه أجاز «النصب والرفع» لكلمة «اليوم» في قول من قال «اليوم الجمعة اليوم السبت». النصب على الظرفية، والرفع على الابتداء والخبرِيِّة. ولم يجز إلا الرفع في قول من قال: «اليومُ الأحد أو الاثنين ... إلى الخميس» يقول: «فأما اليومُ الأحد، واليوم الاثنان، فإِنَّهُ لا يكون إلا رفعا وكذلك إلى الخميس»، ويعلل ذلك بقوله: «لأنَّهُ ليس بعمل فيه») (١). بمعنى أَنَّ

«الجمعة بمعنى الاجتماع، والسبت بمعنى الراحة؛ فهما مصدران يقعان في اليوم») (٢). أي أَنَّ نصب كلمة اليوم في جملة: اليوم السبت؛ على أَنَّهُ يوم تقع فيه الراحة؛ أي أَنَّ يوم السبت ظرف تقع فيه الراحة. ومنع سيبويه النصب في كلمة اليوم إذا أتت مع أيام الأسبوع: الأحد، الاثنين ... ؛ لأنَّهُ ليس فيها معنى الراحة أو الاجتماع، وتبع سيبويه في هذا عدد من النُّحَاة.

وقد تبع سيبويه في هذا معظم النحاة. قال ابن مالك ما نصه: «إذا قلت: اليوم الجمعةُ، واليوم السبت، جاز نصب اليوم، لأنَّ الجمعة بمعنى الاجتماع، والسبت بمعنى الراحة. وكذا اليوم العيد واليوم الفطر، واليوم النّوروز، كل هذه يجوز معها نصب اليوم بلا خلاف، لأنَّ ذكرها منبِّه على


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤١٨، وفي بعض نسخ الكتاب ((ليس فيه بعمل))، وفي نسخة أخرى: ((ليس يُعْمَل فيه)). الحاشية ذات الرَّقْم ٢ من نفس الصفحة.
(٢) السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ٢/ ٣٠٧

<<  <   >  >>