للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عمل يوقَع في اليوم، بخلاف قولك: اليومُ الأحدُ، واليوم الاثنان، واليوم الثلاثاء، واليوم الأربعاء، واليوم الخميس، فإنَّها بمنزلة اليوم الأول، واليوم الثاني، واليوم الثاث، واليوم الرابع، واليوم الخامس فلذلك لايجوز في اليوم معها إلا الرفع، هذا مذهب النحويين إلا الفراء وهشاما») (١).

وهنا نتجرأ قليلا ونقدم رأيا قد يخالف كلام سيبويه هنا وهو: أنَّ ارتباط يوم مُعَيَّن بمعنى مُعَيَّن متروك للعرف والعادة، وهما من مكوِّنات سياق الحال كما أشرنا في التمهيد، ففي عصرنا الحالي وفي بلدنا مصر أصبح يوم الأحد وليس الجمعة ولا السبت من أكثر الأيام المرتبطة بالراحة؛ وفي بعض الأحيان ترتبط الراحة بـ «مهن مُعَيَّنَة»، فعند أصحاب مهن مُعَيَّنَة يكون الأثنين هو الراحة. وعليه فَإِنَّ النصب والرفع جائز في اليوم إذا جاءت مع الأحد أو غيره الأيام إذا دلت على الراحة.

٢ ــ من الأمور الخطيرة التي يُوقِفُنا عليها هنا هذا المبحث أمر مُهِمّ هو «تهافت نظَرِيَّة العامل»، تلك النظَرِيَّة التي لم يمل النُّحَاة من تكرارها، وما فتِئُوا يرددونها في كل مناسبة.

فما سطرناه في هذا المبحث وما استنبطناه من كلام سيبويه نفسه لا يلتقي ولايمكن أَنْ يلتقي مع ما تقوله هذه النظَرِيَّة وما تتضمنه من العلل الأولى والثواني والثوالث.

لقد أثبتنا ــ من خلال نصوص سيبويه نفسها ــ أَنَّ المُتَكَلِّم هو الذي «يرفع وينصب ويجر»، وهو الذي «يستأنف الكلام» أو «يعطفه»، وذكرنا أَنَّ سيبويه كرَّر مئات المرَّات قوله «إذا أردتَ» و «إذا شئتَ»، وأنَّ المُتَكَلِّم والمخاطب وحالتهما النفسِيَّة هما اللذان يؤثِّران على العلامة الإعرابِيّة.

إِنَّنَا هنا نتعجل الأمور قليلا قبل أَنْ نفرد الفصل الأخير في بحثنا هذا للحديث عن نظرية العامل، ونقول بنقض هذه النظَرِيَّة التي قتلت الحياة في النحو العربي، وأزالت كل مظهر من مظاهر التفاعل مع الواقع.

وفي نقضنا لنظَرِيَّة العامل نضم صوتنا المتواضع جدا للعالِمين اللذين نقضا هذه النظَرِيَّة، وأقصد بهما: ابن جني، وابن مضاء الأندلسي الظاهري. فقد صرَّح ابن جني ببطلان هذه النظَرِيَّة في قول صريح له يقول فيه: «وإِنَّمَا قال النَّحْوِيّون: عامل لفظي وعامل معنوي ليروك أَنَّ بعض العمل يأتي مسببًا عن لفظ يصحبه؛ كمررت بزيد، وليت عمرًا قائم. وبعضه يأتي عاريًا من مصاحبة لفظ يتعلق به؛ كرفع المبتدأ بالابتداء، ورفع الفعل لوقوعه موقع الاسم؛ هذا ظاهر الأمر، وعليه صفحة القول. فأما في الحقيقة ومحصول الحديث فالعمل من الرفع والنصب والجر والجزم


(١) ابن مالك: شرح تسهيل الفوائد، ت: عبد الرحمن السيد، محمد بدوي المختون، دار هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط ١، ) ١٩٩٠ م (، ١/ ٣٢٣

<<  <   >  >>