للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِنَّمَا هو للمتكلم نفسه لا لشيء غيره. وإِنَّمَا قالوا: لفظي ومعنوي لما ظهرت آثار فعل المُتَكَلِّم بمضامة اللفظ للفظ أو باشتمال المعنى على اللفظ. وهذا واضح») (١).

في هذا القول الصريح يؤكد ابن جني أن العمل من الرفع والنصب والجر والجزم إنما هو للمتكلم نفسه لا شيء غيره.

ثُمَّ أتي ابن مضاء الأندلسي) (٢) في نهاية القرن السادس الهجري متأثرا بالمذهب الظاهري) (٣) ليقرِّرَ هذا الرفض متابعا لابن جني، فيقول:

«قصدي في هذا الكتاب أَنْ أحذف من النحو ما يستغنى عنه، وأنبِّه على ما أجمعوا على الخطأ فيه. فمن ذلك ادعاؤهم أَنَّ النصب والخفض والجزم لا يكون إلا بعامل لفظي، وأنَّ الرفع منها يكون بعامل لفظي وبعامل معنوي. وعبَّروا عن ذلك بعبارات تُوهم أَنَّ قولنا: ((ضرب زيد عمرًا)) أَنَّ الرفع الذي في ((زيد)) والنصب الذي في ((عمرو)) إِنَّمَا أحدثه ((ضرب)) ... وقد صرح بخلاف ذلك أبو الفتح ابن جني في خصائصه بعد كلام في العوامل اللفظِيَّة والعوامل المعنوِيَّة [ذكر النَّصّ السابق]؛ فأكد ((المُتَكَلِّم)) بـ ((نفسه)) ليرفع الاحتمال، ثُمَّ زاد تأكيدًا بقوله ((لا لشيء غيره)). وهذا قول المعتزلة. وأما مذهب أهل الحق فَإِنَّ هذه الأصوات إِنَّمَا هي من فعل الله تعالى، وإِنَّمَا تنسب إلى الإنسان كما ينسب إليه سائر أفعاله الاختيارية. وأما القول بأن الألفاظ يحدث بعضها بعضا؛ فباطل عقلا وشرعا، لا يقول به أحد من العقلاء ... وأما العوامل النحوِيَّة فلم يقل بعملها عاقل، لا ألفاظها ولا معانيها؛ لأَنَّها لا تفعل بإرادة ولا بطبع») (٤).


(١) الخصائص، ت: محمد علي النجار، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، ط ١، ) ٢٠٠٦ م (، ١/ ١٠٩ ــ ١١٠
(٢) ابن مَضَاء) ٥١١ ــ ٥٩٢ هـ = ١١١٨ ــ ١١٩٦ م (هو: ((أحمد بن عبد الرحمن بن محمد، ابن مضاء، ابن عمير اللخمي القرطبي، أبو العباس: عالم بالعَرَبِيَّة، له معرفة بالطب والهندسة والحساب، ومولده بقرطبة. وولي القضاء بفاس وبجاية، ثم بمراكش سنة ٥٧٨ هـ وتوفي بإشبيلية مصروفا عن القضاء. من كتبه) تنزيه القرآن عما لا يليق من البيان (في النحو)). ينظر: الزركلي: الأعلام، ١/ ١٤٦
(٣) طبق ابن مضاء مبادئ المذهب الظاهري في كتابه الرد على النُّحَاة، على غرار كتب الفقه. والمذهب الظاهري يقوم على إنكار القياس والتعليل، وعدم الأخذ بالفروع، والاقتصار على القرآن والسنة. ينظر: ابن مضاء القرطبي في الميزان، د. عائد كريم علوان، مجلة اللُّغَة العَرَبِيَّة وآدابها، العدد ٦، حزيران، ٢٠٠٨ م
(٤) الرد على النُّحَاة، ت: د. محمد إبراهيم البنا، دار الاعتصام، القاهرة، ط ١، ) ١٩٧٩ م (، ص ٦٩، ٧٠

<<  <   >  >>