للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والباحث يميل إلى رأي هذين العالمين الجليلين ويدعمه لما يلي:

- ما أثبتناه هنا في هذا المبحث يدل على تهافت هذه النظَرِيَّة، وقد ذكرنا من نصوص سيبويه ما يدل على ذلك، منها جملته المُهِمَّة التي ناقشناها في أحد نصوصه، التي يقول فيها: « ... فإِذا رفعتَ هذه الأشياءَ فالذى فى نفسك ما أظهرتَ، وإذا نصبت فالذى فى نفسك غيرُ ما أظهرتَ)) (١). ففي هذا النَّصّ الصريح يربط سيبويه نفسه بين العلامة الإعرابِيّة وبين الحالة النفسِيَّة للمتكلم، ويُقر أَنَّ المُتَكَلِّم هو الذي يرفع وهو الذي ينصب.

- تكرار اللفظ المعبِّر عن «إرادة المتكلم» في اختيار الإعراب المناسب في أكثر من أربعمائة موضع في الكتاب.

وقد ينشأ اعتراض على هذا الدليل مُؤَدّاه: أَنَّنا نجد نصوصا عند سيبويه نلمح فيها أثرا لنظَرِيَّة العامل، فكيف يمكن القول أَنَّ سيبويه يقبل هذه النظَرِيَّة في نصوص، ويرفضها في نصوص

أخرى؟

نقول مجتهدين ــ ولَعلَّنا نصيب أجرين في هذا ــ:

إن البيئة العلميَّة الفلسفِيَّة التي نشأ فيها سيبويه أثَّرت عليه وجعلته مرغما على مسايرتها رغما عنه فأثَّرت في ذهنه أثناء تقيعده، ولَكِنَّه في كثير من الأحيان تذهب عنه هذه التأثيرات الفلسفِيَّة المنطقية الأرسطية؛ فتأتي الأمور على طبيعتها وكما يسمعها من قائلي اللُّغَة.

- إذا كان أبناء اللُّغَة:

» يتواضعون على ألفاظهم.

» ويتواضعون فيما بينهم على معاني هذه الألفاظ (٢)

» بل إِنَّهُم يتواضعون على البنى الصَّرْفِيَّة داخل هذه اللُّغَة (٣)؛


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٧٠ ــ ٢٧١
(٢) مما يتفق عليه علماء اللُّغَة أن اللُّغَة عرفية، فالعلاقة بين اللفظ وما يشير إليه علاقة عرفية لا ضرورية.
ينظر: محمد حسن عبد العزيز: مدخل إلى علم اللُّغَة، دار الثقافة العَرَبِيَّة، ص ١٥
(٣) اللُّغَة تحتوى على بنى صرفِيَّة كثيرة ليست كلها مما يتفق عليه أهل اللُّغَة؛ بمعنى أن هناك ((بِنَى صرفِيَّة)) مستخدمة من قبل أهل اللُّغَة، وهناك بنى صرفِيَّة أخرى موجودة صالحة للاستخدام ولَكِنَّها غير مستعملة. ويؤكد ما ذهبنا إليه:

١ ــ تلك المناظرة التي أوردها السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر بين ابن ولاد وبين ابن النحاس وفيها ((قال ابن النحاس لأبي العباس: كيف تبني مثال اِفْعَلَوْت من رميت، فقال له أبو العباس: اِرْمَيَيْت، فخطأه أبو جعفر وقال: ليس في كلام العرب اِفْعَلَوْت ولا اِفَعَلَيْت؛ فقال أبو العباس: إِنَّمَا سألتني أن أمثل لك بناء ففعلت))، ٣/ ١٦٢،
[دار الكتب العلمِيَّة، بيروت]
٢ ــ قال التبريزي ــ شارح ديوان أبي تَمَّام ــ: ((وليس في كلام العرب مثل ((دَمَقْس)) في الرباعي ... [و] تركهم أن يبنوا مثل دمقس إِنَّمَا هو اتفاق وقع في اللُّغَة، لا أن اجتنابهم ذلك لعلة)). ديوان أبي تَمَّام بشرح
التبريزي: [١/ ٦١ ـ ٦٣].

<<  <   >  >>