للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أفلا يكون من المعقول أَنْ يتواضعوا على ما هو أبسط من هذا وهو تواضعهم على العلامة الإعرابِيّة؟ بمعنى أَنَّ العرب عندما ينطقون باسم معرفة في بداية جملة اسمية يضمون آخر هذا الاسم، وإذا دَلَّ الاسم على أَنَّهُ قام بالفعل أو اتصف به ضموا آخره أيضا، وإذا أتى الاسم واقعا عليه فعل الفاعل نصبوه، وإذا وقع بعد حرف من حروف الجر كسروا آخره وهكذا.

ومن أقوال أساتذتنا المحدثين التي عثرنا عليها ويتوافق قولُنا هنا معها قول أستاذنا تمام حسان إذ يقول: «بعد أَنْ بيَّنت طبيعةَ القرائن المقالِيَّة معنوِيَّة كانت أو لفظِيَّة في دلالتها على المعنى الوظيفي النَّحْوِيّ، أحب أَنْ أضيف إليها كلمة أخرى تتصل بإغناء فهم القرائن المقالِيَّة عن فكرة العامل النَّحْوِيّ الذي قال به النُّحَاة») (١).

٣ ــ من طريف ما أشار إليه سيبويه أَنَّ التوجيه الإعرابِيّ يراعي الفرق بين الإنسان والحيوان:

» ففي أسلوب الاستثناء التام المنفي يجوز في المستثنى «النصب على الاستثناء أو البدل من المستثنى منه»، ولكن في بعض الأحيان يختار الإعراب الأول ويكره الثاني؛ «لأَنَّ المستثنى ليس من نوع المستثنى منه»، يقول: «قولك ما فيها أحدٌ إلا حمارًا، جاءوا به على معنى ولكنَّ حمارًا؛ وكرهوا أَنْ يبدلوا الآخر من الأول؛ فيصير كَأَنَّه من نوعه») (٢). وجملة

«وكرهوا» تدلُّ على أَنَّ العلامة الإعرابِيّة يتحكم فيها المُتَكَلِّم؛ لتعبِّر عن مشاعره وعواطفه؛ وأنَّهُم لجئوا إلى العلامة الإعربية لإزالة هذه الكراهية.

» وفي مثال ثان إذا قلنا الجمل المتشابهة التالية:

» مررت برجل أسدٍ أبوه.

» مررت برجلٍ أسدٌ أبوه.

» مررت بدابة أسدٌ أبوها.

فكلمة «أسد» في الجملة الأولى تُعربُ نعت سببي مجرور أفاد المبالغة، ونفس الكلمة قد تعرب ــ كما في المثال الثاني ــ مبتدأ مرفوع إذا أردنا مجرد الإخبار. أَمَّا المثال الثالث فلا يجوز فيه إلا


(١) اللُّغَة العَرَبِيَّة معناها ومبناها، ص ٢٣١
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣١٩

<<  <   >  >>