للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن من الطرق التي يلجأ إليها المُتَكَلِّم لإفادة التوكيد استخدام المفعول المطلق. وقد نصَّ سيبويه على هذا قائلا: «إِنَّمَا يجئ ذلك على أَنْ تبين أي فعل فعلت أو توكيدًا») (١). وعندما يقول سيبويه إِنَّ المفعول المطلق يفيد التوكيد فهذا يستدعي الأغراض التي يأتي لها التوكيد، وهي: إزالة الشك أو تقرير المؤكَّد، أو دفع المُتَكَلِّم توهم غفلة في كلامه.

ومما يتصل بالمفعول المطلق ويرتبط بشكل أو بآخر بسياق الحال حذف عامله. وقد أشار العلماء إلى أَنَّ عامل المصدر المبين للنوع أو للعدد يجوز حذف عامله بشرط وجود دليل مقالي) مرجعه إلى القول والكلام (أو حالي) مرجعه للمشاهدة أو نحوها مما يحيط بالشخص (٢) يدل على المحذوف.

أما المصدر المؤكد لعامله فيُحذف عامله وجوبا في مواضع يوضحها ابن عقيل في شرحه قائلا: «يُحذَفُ عاملُ المصدرِ وُجُوبًا إذا ناب المصدر عن فعلٍ استند لاسمِ عينٍ ــ أي: أُخْبِرَ به عنه ــ وكان المصدرُ مكررًا أو محصورًا») (٣). ويعلِّق الشيخ محيي الدين عبد الحميد على هذا

بقوله: «يشترط لوجوب حذف العامل من هذا النوع أربعة شروط، الأول: أن يكون العامل فيه خبرا لمبتدأ أو لما أصله المبتدأ، والثاني: أنْ يكون المخبر عنه اسم عين؛ والثالث: أنْ يكون الفعل متصلا إلى وقت التكلم، لا منقطعا، ولا مستقبلا، والرابع أحد أمرين: أولهما أن يكون المصدر مكررا أو محصورا، كما مثل الشارح، أو معطوفا عليه، نحو: أنت أكلا وشربا ... .») (٤).

ويُهمُّنا هنا الشرط الثالث من كلام الشيخ محيي الدين، فهو شرط سِياقِيّ في المقام الأول.


= في إطار ما يسمى بـ ((لغة الجسد Body Language)) . [ينظر أحد المراجع المُهِمَّة في هذا الأمر: آلان وباربارا بييز: لغة الجسد، مكتبة جرير، ط ١، ) ٢٠٠٨ م (]
ولا يقدم المُتَكَلِّم إلى تقرير المؤكد في نفس السامع إلا إذا أحس من خلال ايماءات وإشارات جسدِيَّة مثلا بهذا الشك. وكما أنَّ للشك إيماءات وإشارات جسدِيَّة، فكذلك استيعاب المخاطب لكلام المُتَكَلِّم وفهمه له إشاراته.
بناء على هذا فَإِنَّ حالة الشك التي تتولد في السامع أو المخاطب، التي لابد أنَّها تتولد بعد بداية الكلام هي الأساس التي تجعل المُتَكَلِّم يلجأ إلى أساليب التوكيد المختلفة لإزالة هذا الشك. ولابد أن يكون هذا في وجود سياق الحال. وما نريده هنا هو أن نقرِّر أن سياق الحال هو المسئول ابتداء عن كافة أشكال التوكيد في اللُّغَة، فلولا وجود المُتَكَلِّم والمخاطب وحالة الشك التي ظهرت من خلال السِّياق ما لجأ المُتَكَلِّم إلى أي شكل من أشكال التوكيد.
(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٢٩
(٢) عباس حسن: النحو الوافي، ٢/ ٢١٩، وينظر الحاشية ذات الرَّقْم ١
(٣) شرح ابن عقيل: ٢/ ١٨١
(٤) السابق، ٢/ ١٨١، الحاشية ذات الرَّقْم ١

<<  <   >  >>