للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعل عنوانه «هذا باب يحذف منه الفعل لكثرته في كلامهم حتى صار بمنزلة المثل») (١). وذكر مجموعة من الجمل ينطبق عليها هذا الوصف:

أ «هذا ولا زعماتك»؛ ) أي: ولا أتوهم زعماتك (.

ب «كليهما وتمرًا»؛ ) أي كَأَنَّه قال: أعطني كليهما وتمرا (.

ت «كلّ شيء ولا شتيمة حر»؛ ) أي: ائتِ كل شيء ولا ترتكب شتيمة حر (.

ث «كلاهما وتمرًا»؛ ) أي كَأَنَّه قال: كلاهما لي ثابتان وزدني تمرا (.

ج قول الشاعر:

دِيارَ مَيَّةَ إِذ مَيُّ تُساعِفُنا ... وَلا يَرى مِثلَها عُجمٌ وَلا عَرَبُ [بحر البسيط]) أي كَأَنَّه قال: أذكر ديار مية (.

الفعل المحذوف من هذه الأمثلة حذف لكثرة الاستعمال ولعلم المخاطب بالمحذوف. وهذا يعني أَنَّ الحذف هنا يستند إلى الخبرة السابقة عند المخاطب) (٢) الذي سمع هذه الجملة التي تشبه المثل أكثر من مَرَّة قبل ذلك، ويعلم مسبقا من خلال سياقات سابقة مرت عليه أَنَّ هذا التركيب يقصد هذا المعنى أو ذاك؛ أي أَنَّ كثرة الاستعمال ترتبط بوجه ما بسياق الحال؛ هذا الربط يظهر في مناقشة سيبويه للجملة الأولى في المجموعة السابقة، حيث يقول: «ولم يَذكر: ولا أتوهَّمُ زعماتِك لكثرة استعمالهم إيَّاه، ولاستدلاله مما يَرَى من حاله أَنَّهُ يَنْهاه عن زَعْمه») (٣).

وينقل سيبويه نفس التعليل السابق) كثرة الاستعمال (عن الخليل لمجموعة من الجمل حذف فيها الفعل وهي: «وراءك أوسع لك، حسبك خيرًا لك، قوله تعالى: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}» فيقول:

«حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه في الكلام، ولعلم المخاطب أَنَّهُ محمول على أمر») (٤).

وقبل أَنْ ننتقل إلى فكرة أخرى نثبت هنا فائدة مستخلصة من عنوان سيبويه السابق الذي قال فيه: «هذا باب يحذف منه الفعل لكثرته في كلامهم حتى صار بمنزلة المثل»، وهذه الفائدة هي أَنَّ من خصائص المثل التي يمكن أَنْ تضاف إليه «كثرة الاستعمال وارتباطه بسياق حال ما»، وتضاف


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٨٠
(٢) أو ما سماه سيبويه ((علم الصدور))، يقول: ((وأمّا قول الناس: كان البُرُّ قَفيزَيْنِ، وكان السَّمْنُ مَنَوَينِ، فَإِنَّما استغنوا هاهنا عن ذكر الدَّرهم لِما فى صدورهم من عِلمه)). ١/ ٣٩٣
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٨٠
(٤) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٨٣

<<  <   >  >>