للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الخصيصة لخصائص المثل العامة، وهي: الإيجاز البليغ، إصابة المعنى، حسن التشبيه، جودة الكناية إذا كان المثل من باب الكنايات) (١).

وباستدعاء سيبويه للمثل في عنوانه السابق، وربط كثرة الاستعمال به يعطي إشارة سريعة إلى أهمِيَّة السِّياق بالنسبة للمثل اللغويّ وما به من حذف، فقد أفصح سيبويه عن هذه العلاقة بشكل صريح في أحد نصوصه، حيث أبان أَنَّنا لا نستطيع تفسير المحذوف الموجود في المثل اللغويّ بدون استحضار السِّياق الذي يقال فيه هذا المثل، يقول: «من ذلك قولُ العرب فى مَثَلٍ من أمثالهم:

«اللَّهُمَّ ضَبُعًا وذِئبًا» إذا كان يدعو بذلك على غنم رجُل. وإذا سألتَهم ما يَعْنُون قالوا: اللهُمَّ اجْمَعْ أو اجعلْ فيها ضَبُعًا وذئبا. وكلُّهم يفسَّرُ ما يَنْوِى. وإنَّما سَهُلَ تفسيرُه عندهم؛ لأَنَّ المضمَر قد استُعمل فى هذا الموضعِ عندهم بإِظهارٍ») (٢).

• سعة الكلام وسياق الحال:

مما يتصل بالحذف في هذا المقام أيضا ما سماه سيبويه بسعة الكلام. والسعة يراد بها في كتاب سيبويه «الاختصار والإيجاز والحذف») (٣). فهو يقر أَنَّ اللُّغَة تتجه إلى سعة الكلام والاتساع فيه، يقول: «ومن ذلك أَنْ تقول: كم وُلِد له؟ فيقول: ستون عاما. فالمعنى: ولد له الأولاد ستين عاما ولَكِنَّه اتسع وأوجز») (٤). وهو يعطي سلطة الاختصار والإيجاز والحذف للمتكلم بدليل قوله في النَّصّ السابق «اتسع وأوجز»؛ أي: اتسع المُتَكَلِّم وأوجز.

ويقول في موضع ثان: «ومما جاء على اتساع الكلام واختصار قوله تعالى جده: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}؛ إِنَّمَا يريد: أهل القرية؛ فاختصر») (٥).

وقد نتساءل ونقول: ما حدود هذا الحذف والاختصار؟ وهل يجوز في كل وقت أم لا؟

قيد سيبويه الحذف والاختصار والإيجاز في الجملة بعلم المخاطب بالمعنى، فالاعتماد عليه في ذلك، ولا يجوز الحذف ولا الاختصار إلا بمراعاته. يقول: «ومثله في الاتساع قوله عز


(١) د. محمد بكر إسماعيل: دراسات في علوم القرآن، دار المنار، القاهرة، ط ٢، ) ١٩٩٩ م (، ص ٢٠٥
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٥٥
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢١١، وينظر أيضا: معجم مصطلحات النحو، ص ٢٩٧
(٤) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢١١
(٥) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢١٢، ونشير إلى أن مصطلح السعة قد تكرر عنده في واحد وعشرين مَرَّة.

<<  <   >  >>