للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الطريف واللافت للنظر أَنَّ سيبويه لم يسم أدوات النداء بأدوات النداء، بل سماها بـ «هذا باب الحروف التي يُنَبَّه بها المدعوُّ») (١). وكونه يجعل التنبيه في العنوان المحدِّدَ لهذه الحروف، فَإِنَّ هذا يشير إلى أهمِيَّة هذه الحروف في هذا الغرض، وأنَّ جُلَّ استعمالها له.

٢ ــ التوكيد: وقد يأتي أسلوب النداء للتوكيد. يقول: «كما تقول للذي هو مقبلٌ [عليك] بوجهه مستمعٌ منصِتٌ لك: كذا كان الأمر يا أبا فلان، توكيدًا») (٢).

وعند مناقشته لعدم كون الكاف من الأسماء) الضمائر (مع لفظة ((رويد)) أشار في معرض الحديث عن غرض التوكيد للنداء. يقول: «وممّا يدلّك على أَنَّهُ ليس باسمٍ قولُ العرب: أَرَأَيْتَكَ فلانًا ما حالُه، فالتاءُ علامة المضمر المخاطَب المرفوع، ولو لم تُلحِق الكافَ كنتَ مستغنيًا كاستغنائك حين كان المخاطَبُ مقبِلاً عليك عن قولك: يا زيدُ، ولحَاقُ الكاف كقولك: يا زيدُ، لمَنْ لو لم تَقُلْ له يا زيدُ استغنيتَ. فإِنَّما جاءت الكاف فى أَرأيتَ والندَّاءُ فى هذا الموضع توكيدًا») (٣).

نفهم من هذا الكلام أَنَّهُ إذا أتى أسلوب النداء وكان المخاطب مقبلا على المُتَكَلِّم؛ فَإِنَّ الوظيفة التي يقوم بها النداء في هذه الحالة هي تأكيد الكلام. إذن من المعاني التي يؤديها أسلوب النداء التوكيد بشرط قرينة سياق الحال، وأنَّ من علامة أسلوب النداء الذي يأتي للتوكيد صحة الاستغناء عنه من الكلام. كما نفهم من النَّصّ أَنَّهُ لا داعي لاستعمال أسلوب النداء إذا كان المخاطب مقبلا على المُتَكَلِّم.

٣ ــ التعجب والاستغاثة:

أيضا من الوظائف والأغراض التي يمكن أَنْ يؤدِّيها أسلوب النداء التي يمكن أَنْ تُضَمَّ إليه «التعجب والاستغاثة». يقول: «وقالوا: يا لَلعجب، ويا لَلفليقة؛ كَأَنَّهم رأوا أمرا عجبا ... ، وقالوا: يا لَلعجب ويا لَلماء، لما رأوا عجبا أو رأوا ماء كثيرا، كَأَنَّه يقول: تعالَ يا عجبُ») (٤).

ومن اللافت للنظر أَنَّ التركيب: «يا + اللام المفتوحة + اسم محلى بأل» يصح في سياق ولا يصح في سياق آخر، فهو يصح في سياق التعجب ولا يصح في غير هذا. يقول: «كل هذا في معنى التعجب والاستغاثة، وإلا لم يجز. ألا ترى أَنَّكَ لو قلت يا لَزيد وأنت تحدثه لم يجز») (٥).


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٢٢٩
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٢٣٢
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٤٥
(٤) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٢١٧
(٥) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٢١٨ ويشير في موضع ثان إلى أن المنادَى الذي يأتي مع بدله مثل ((تيمُ تيم عدي)) لا يجوز استعمال مثل هذا الكلام إلا في أسلوب نداء، يقول: ((وإن شئت قلت: لا غلامين ولا جاريتين لك، إذا جعلت لك خبرا لهما، ... ، وكذلك إذا قلت: لا غلامين لك وجعلت لك خبرا، لأنَّهُ لا يكون إضافة وهو خبرٌ لأنَّ المضاف يحتاج إلى الخبر مضمَرًا أو مظهَرًا. ألا ترى أنه لو جاز تيمُ تَيمُ عدى في غير النداء لم يستقم لك إلا أن تقول ذاهبون))، ٢/ ٢٨٢

<<  <   >  >>