للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإشارة سيبويه «وأنت تحدثه» مثيرة للاهتمام، ويفهم منها أَنَّ التركيب «يا + اللام المفتوحة + اسم محلى بأل» لكي يكون للتعجب والاستغاثة لا يجوز إذا كان المتعجب منه أو المستغاث به شخصا موجودا أمام من يقوم بالتعجب والاستغاثة. فكَأَنَّ سيبويه يضع شرطا سياقيا إضافيا ضمنيا لهذا التركيب وهو: أَنَّ هذا الأسلوب أو التركيب لا يصح، إذا كان المستغاث أو المتعجب منه موجودا أمام من يستغيث.

وفي هذا النَّصّ دليل على أهمِيَّة السِّياق في تحديد صحة التركيب النَّحْوِيّ وعدم صحته.

تلك كانت أهم الأغراض الدِّلالِيَّة السِّياقِيَّة التي يمكن أَنْ يؤديها أسلوب النداء.

ومن الأمور المتصلة بالنداء وسياق الحال ــ «النكرة» التي تأتي في أسلوب النداء كمنادَى. فهذه الكلمة النكرة تتحول من التنكير إلى التعريف فتصبح معرفة بمجرد دخولها في أسلوب النداء. فالسِّياق الذي يأتي فيه النداء وتكون فيه النكرة منادَى كفيل بـ ((تحديد)) دائرة هذه النكرة وتضييقها، ونقلها من العمومية إلى هذا التحديد. يقول: «وزعم الخليل ــ رحمه الله ــ أَنَّ الألف واللام إِنَّمَا منعهما أَنْ يدخلا في النداء من قبل أَنَّ كل اسم في النداء مرفوع معرفة. وذلك أَنَّهُ إذا قال: يا رجل ويا فاسقُ، فمعناه كمعنى يا أيُّها الفاسقُ، ويا أيها الرجل، وصار معرفة لأَنَّكَ أشرت إليه وقصدت قصدَه، واكتفيت بهذا عن الألف واللام، وصار كالأسماء التي هي للإشارة نحو لهذا وما أشبه

ذلك وصار معرفة بغير ألف ولام لأَنَّكَ إِنَّمَا قصدت قصدَ شيء بعينه») (١).

من خلال هذا الكلام وما سبقه نستطيع أنْ نقول إِنَّ تحديد كون الكلمة نكرة أو معرفة ــ بوجه عام ــ يتوقَّف على السِّياق؛ فالسِّياق هو الذي «يُنكِّر» وهو الذي «يُعَرِّف».

ويتصل سياق الحال بالنداء من جهة أخرى، وهي جهة حذف الفعل العامل في المنادى، هذا الفعل الذي حُذِف «لكثرة استعمالهم هذا في الكلام، وصار ((يا)) بدلا من اللفظ بالفعل؛ كَأَنَّه

قال: يا، أريد عبد الله، فحذف أريد، وصارت ((يا)) بدلا منها؛ لأَنَّكَ إذا قلت: يا فلانُ؛ علم أَنَّكَ تريده») (٢)؛ أي أَنَّ الحذف دلَّ عليه دليل من السِّياق الحالي الذي يقال فيه الجملة. وقد أشرنا عند الحديث عن الحذف أَنَّهُ لكثرة الاستعمال مرتبط بالسِّياق بوجه من الوجوه.

ويلعب السِّياق أيضا دورا في تحديد طبيعة المنادى هل هو ــ كما قال النُّحَاة اللاحقون ــ

«نكرة مقصودة» أم «نكرة غير مقصودة». ففي قول الشاعر:


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١٩٧
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٩١

<<  <   >  >>