للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يشير هنا إلى أل التي تأتي للعهد الذهني، التي تكون لشيء معهود بين المُتَكَلِّم والسامع، والوحيد الذي يستطيع تحديد دلالة الكلمة المحلاة بأل العهدية الذهنية هو المخاطب الذي يعرف من خلال سياق سابق مدلول هذه الكلمة، وعلى من تنطبق. أي أَنَّنا في تحديدنا لدلالة الكلمة المحلاة بأل نحتاج إلى السِّياق أيّما احتياج للوقوف على هذه الدِّلَالَة. لذلك نجد سيبويه يشير إلى هذا السياق في قوله: «وإذا أدخلتَ الألف واللام فَإِنَّما تُذكّره رجلا قد عرَفه، فتقول: الرجل الذي من أمره كذا وكذا؛ ليتوهم الذى كان عهدَه ما تذكر من أمره».

ويؤكد سيبويه على أهمِيَّة السِّياق في تحديد دلالة أل في نصّ ثان، فيقول: «وإِنَّمَا يُدخلون الألف واللام ليعرفوك شيئا بعينه قد رأيتَه أو سمعت به، فإذا قصدوا قصد الشيء بعينه دون غيره وعنوه، ولم يجعلوه واحدا من أمة، فقد استغنوا عن الألف واللام. فمن ثم لم يُدخلوهما في هذا ولا في النداء») (١).

إنَّ «أل» العهدية لكي يصح استعمالها فَإِنَّها يجب أنْ «تُربَطَ» بأمر «رآه المُتَكَلِّم وسمع به من قبل» إما في بداية موقف الكلام نفسه) أل العهدية (، وإما في موقف سابق على موقف الكلام) أل العهد الذهني (.

ويُستغنَى عن «أل» كلية إذا هيَّأ السِّياق والموقفُ الكلامَ ووجهه مباشرة إلى «فرد مُعَيَّن من أفراد أمة ما» ــ بحسب تعبير سيبويه ــ؛ أي أَنَّنا استغنينا عن «أل» لتعبِّرَ عن المُتَحَدَّثِ عنه عندما انتقل من حالة «الغياب عن السِّياق» إلى حالة «الحضور في السِّياق»، وبعد أنْ كان المُتَحَدَّثُ عنه غائبا أصبح حاضرا، وأقدرنا هذا على الانتقال والاستغناء عن «أل».

ومن نصّ سيبويه نقف أيضا على أهمِيَّة الأداة «أل» في «الربط»، ربط ما هو غائب عن السِّياق بما هو حاضر فيه. وقد سمَّى علماء نحو النَّصّ هذا الربط بـ «الإحالة الخارِجِيَّة»، وهي ــ أي الإحالة الخارِجِيَّة ــ مع «الإحالة الداخلية» من أهم وسائل «السبك Coheision» . وهي «من المعايير المُهِمَّة التي تسهم بشكل فعَّال في الكفاءة النصية، تلك الوسيلة من أهم الوسائل المتعددة والمتنوعة لسبك العبارات») (٢).

***


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١٩٨
(٢) أحمد عفيفي: الإحالة في نحو النص، ضمن الكتاب التذكاري: العَرَبِيَّة من نحو الجملة إلى نحو النص، ٢/ ٥٢٤

<<  <   >  >>