للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو بالكذب يتعلق بالمعنى الذي تفيده عناصر الجملة عندما تترابط نحويا») (١). فمثلا الجملة:

«أتيتك أمس» هي من المستقيم الحسن عند سيبويه وذلك لـ «توافق الاختيار بين عناصر بناء الجملة ــ وهي الصورة الصَّوْتِيَّة المنطوقة ــ في أمور كثيرة؛ فالفعل الماضي ((أتى)) يصحُّ وقوعه من الفاعل وهو في الجملة ((المُتَكَلِّم)) وتعبِّر عنه تاء الفاعل. ويمكن تحقق المفعوليّة مع المفعول به ــ وتعبِّر عنه في الجملة كاف المخاطب ــ والدِّلَالَة الأوَّلية لظرف الزمان ((أمس)) هي المضي، فلا تناقض بين وقوع الفعل وفاعله مع مفعوله وبين المفعول فيه») (٢).

أي أَنَّ الذي برَّر الاستغناء عن «مِنْ» في جملة «ما أتاني من رجلٍ» أَنَّ الجملة بقيت صحيحة نحويا ودِلالِيًّا، ولم يصبها خلل في التركيب النَّحْوِيّ أو فسادٌ في الدِّلَالَة.

وبمفهوم المخالفة يمكن أَنْ نقول إِنَّ كلَّ ما يسبِّب خللا في التركيب النَّحْوِيّ للجملة أو فسادا دِلالِيًّا لا يصحُّ الاستغناء عنه.

إذا كان استنتاجنا هنا صحيحا فهل يصحُّ لنا أَنْ نضع تعريفا لـ «للكلمة الزائدة» ونقول إِنَّ:

«الكلمة الزائدة هي التي يصح حذفها من الجملة وتبقى بعد الحذف صحيحة نحويا ودِلالِيًّا»؟

إذا أخذنا بهذا كتعريف للكلمة الزائدة فلن يسلم من الاعتراض عليه، ويمكن نقضه بسهولة، ويُؤْخَذ علينا السبيل به، وذلك بأن نقول مثلا: هل الحرف «إِنَّ» في قولنا «إِنَّ زيدًا منطلق» حرف زائد؟ فبناء على التعريف السابق يمكن الاستغناء عن الحرف «إِنَّ» ويبقى تركيب الجملة صحيحا نحويا ودِلالِيًّا. والواقع يقول إِنَّه لا أحدَ من النُّحَاة ــ حسبما أعلم ــ قال إِنَّ «إِنَّ مكسورة الهمزة ومشددة النون» تأتي زائدة. وعقلا لا يمكن أَنْ نقول إِنَّ «إِنَّ» تأتي زائدة؛ لأنَّها تأتي لحاجة سِيَاقِيَّة مُهِمَّة من قِبَل المُتَكَلِّم، وهذه الحاجة السِّياقِيَّة هي تأكيد نسبة الخبر لاسم إِنَّ كما ذكرنا ذلك عند الحديث عن إن.

إذن فإِنَّنَا لا يمكن أَنْ نعتمد على الاستنتاج السابق في تحديد «الكلمة الزائدة»، ولا يمكن أَنْ نأخذ بالقول الذي يقول إِنَّ معنى زيادة «الحرف» هو «تركه مهملا لا يؤثِّر في غيره ولا يتَأَثَّر بغيره، سواء كان في أصله مهملا مثل: ((لا النافية الزائدة))، أم كان في أصله عاملا، مثل: ((كان))

الزائدة») (٣)؛ لأَنَّ هذا يصطدم بما قرَّره سيبويه مثلا مع الأداة «مِنْ» حيث قرر «أنَّها تَجُر لأَنَّها حرف إضافة».


(١) د. محمد حماسة عبد اللطيف: النحو والدِّلَالَة، ص ٦٦
(٢) السابق: ٦٨
(٣) عباس حسن: النحو الوافي، ١/ ٦٦ الحاشية ذات الرَّقْم ١

<<  <   >  >>