للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥ ــ الأداة «كَلَّا»:

قال سيبويه: «وأما كلا فردعٌ وزجرٌ») (١). والمعاني المعجمية للردع والزجر تقود إلى أَنَّ هذه الكلمة تحتاج متكلما «رادعا» ومخاطبا «مردوعا»، وأمرا «مردوعا عنه»، قال ابن منظور:

((الرَّدع: الكفُّ عن الشيء. ردعه يردعه ردعا فارتدع: كفه فكف؛ ... وترادع القوم: ردع بعضهم بعضا») (٢)؛ أي أَنَّ هذه الأداة تتطلب سياقا وقع فيه أمر لا يقبله العُرْفُ أو الشرع، وقع فيه المخاطَب المردوع، ودفع المُتَكَلِّم الرادع لنهيه عن هذا الأمر. أي أَنَّ هذه الكلمة من الكلمات التي تتطلب سياقا مُعَيَّنًا ليصحَّ استعمالها.

قال ابن هشام نقلا عن سيبويه وغيره عن هذه الأداة: «وهي عند سيبويه والخليل والمبرد والزجاج وأكثر البصريين حرف معناه الردع والزجر لا معنى لها عندهم إلا ذلك، حتى إِنَّهُم يجيزون أبدا الوقف عليها والابتداء بما بعدها») (٣).

وعبارة ابن هشام التي نقل فيها إجازة سيبويه الوقف على «كَلَّا» و «الابتداء بما بعدها» عبارة مُهِمَّة. فهي تتضمن إشارة مُهِمَّة إلى أهمِيَّة السِّياق في التحليل الدِّلَالِيّ والنَّحْوِيّ لهذه الكلمة والجملة التي تليها. فسيبويه لن يجيز الوقف عليها إلا بعد دراسة سِيَاقِيَّة لها في النصوص المختلفة كما نعلم من منهجه.

ومما يؤكد أهمِيَّة السِّياق سياق الحال في التحليل الدِّلَالِيّ والنَّحْوِيّ لهذه الأداة ما أثارته هذه الأداة بين قُرّاء القرآن والنُّحَاة من خلاف من حيث الوقف عليها وعدم الوقف، فقد «اختلف النَّحْوِيّون في الوقف على «كَلَّا» والابتداء، فذهبت طائفة إلى أنَّها افتتاح كلام، فلا يوقف عليها البتة، ويوقف على ما قبلها. وذهبت طائفة إلى أنَّها لا يوقف عليها ولا يُبتدَأ بها ... ، وذهب قوم إلى أنَّها يوقف عليها إذا كانت رأس آية خاصة ... ، وذهبت طائفة إلى أنَّها يوقف عليها في كل موضع ... وذهبت طائفة إلى تفصيلها؛ فيوقف عليها إذا كان ما قبلها يُرد ويُنكر. ويبتدأ بها إذا كان ما قبلها لا يُرد ولا ينكر، وتوصل بما قبلها، وما كان بعدها إذا لم يكن قبلها كلام تام») (٤).


(١) سيبويه: الكتاب، ٤/ ٢٣٥
(٢) لسان العرب: ٨/ ١٢١
(٣) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ص ٢٤٩
(٤) أبو محمد مَكِّيُّ بن أبي طالب القيسي: الوقف على كلَّا وبلى في القرآن، ت: د. حسين نصار، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط ١، ) ٢٠٠٣ م (، ص ٥٠

<<  <   >  >>