للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اختار الإمام مَكِّيُّ بنُ أبي طالب المقرئ) (١) الاختيار الأخير، قائلا «وهذا المذهب أليق بمذاهب القرّاء وحُذاق أهل النظر، وهو الاختيار، وبه آخُذُ، وسنفسر كلَّ حرف في موضعه على هذا المذهب الذي أختاره، خاصة بما يوجبه النظر، وما عليه حذاق النَّحْوِيّين وأهل المعاني») (٢).

والإمام مكِّيُّ بهذا يخالف سيبويه الذي يرى صحة الوقوف على كل حال، ولكن أيًّا كان اختلافهما فقد وجدنا الإمام مَكِّيًّا يستند في بعض الآيات إلى السِّياق سياق الحال) سبب النزول (لتحديد الوقف مع الأداة «كَلَّا»، فيقول مثلاعند قوله تعالى {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا} المدثر: ١٥ - ١٦: «الوقف على «كَلَّا» حسن مختار، على معنى لا أزيد في ماله وولده. وكان نزول الآية في الوليد ابن المغيرة. قال سعيد بن جبير: كان له ثلاثة عشر ولدا، كلهم ذو بيت؛ فلما نزلت {كَلَّا} في قصته لم يزل في إدبار من الدنيا من نفسه وماله وولده حتى هلك؛ فهذا يؤَيِّد حسن الوقف

عليها») (٣).

فهذا النَّصّ يشير إلى الاستناد إلى السِّياق عند الإمام مَكِّيُّ ومن قبله سيبويه في تحليل هذه الأداة.

٦ ــ الأداة «لَا»:

أشار النُّحَاة إلى «لا» العاطفة فقالوا إنها «تنفي ما وجب للأول») (٤)، وقالوا: «وهي تقع لإخراج الثاني مما دخل فيه الأول، وذلك قولك: ضربتُ زيدًا لا عمرًا، ومررت برجلٍ لا امرأةٍ») (٥).

وعندما تعرض سيبوبه لهذه الأداة قال: «مررتُ برجلٍ راكعٍ لا ساجِدٍ، لإِخراجِ الشكَّ أو لتأكيد العِلم فيهما») (٦)، وقال: «ومن ذلك: مررت برجل لا امرأة، أشركت بينهما «لا» في الباء وأحقَّتِ المرورَ للأوَّل وفصلَتْ بينهما عند من التبسا عليه فلم يدرِ بأيهما مررتَ») (٧).


(١) هوالعلامة المقرئ، أبو محمد، مكِّيُّ بن أبي طالب، القيسي القيرواني، ثم القرطبي، صاحب التصانيف. ولد بالقيروان سنة خمس وخمسين وثلاث مائة. وكان من أوعية العلم مع الدين والسكينة والفهم، وأقرأ بجامع قرطبة وعظم اسمه، وبعد صيته. وله ثمانون مصنفا، كان خَيِّرًا متدينا، توفي في المحرم سنة سبع وثلاثين وأربع
مائة. ينظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء، ١٣/ ٢٣٢
(٢) الوقف على كلَّا وبلى في القرآن، ص ٥٠
(٣) السابق، ٥٧
(٤) الزمخشري: المُفَصّل في صنعة الإعراب، ص ٤٠٣
(٥) ابن السراج: الأصول في النحو، ٢/ ٥٥
(٦) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤٣٠
(٧) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤٣٩

<<  <   >  >>