للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد أبان سيبويه عن هذه الأداة الجانب السياقي الذي تأتي إليه، فهي تأتي لـ:

• لإخراج الشك من ذهن المخاطب الذي قد يلتبس عليه أين وقع الفعل: أعلى المعطوف أم على المعطوف عليه؟

• لتأكيد العلم فيهما.

والفرق بين تحديد سيبويه للأداة «لا» وتحديد بعض النُّحَاة الذين أتوا من بعده ــ أَنَّ سيبويه اهتَمَّ بإضافة البعد السِّياقي لتحديده، وهو ما لا نجده في تحديد ابن السراج ولا الزَّمَخْشَرِيّ السابقين. فـ «لا» ــ في تحديد سيبويه ــ تأتي لـ «إِخراجِ الشكِّ ورفع اللَّبس أو لتأكيد العلم»، والشك والتأكيد يتطلبان ــ كما سبق أنْ أشرنا ــ «مسرحا لغويا» يشعر فيه «المُتَكَلِّم» من خلال «ملابسات سِيَاقِيَّة

مُعَيَّنَة» أَنَّ «المخاطَب» غير مقتنع بما يُقال أو يسمع، فـ «يَدْفَعُ» هذا المُتَكَلِّم إلى اللجوء إلى

«لا» العاطفة لإزالة الشك ورفع الالتباس أو تأكيد المعنى.

وكلام سيبويه هنا عن «لا» دليل دامغ على اعتبار سيبويه لسياق الحال عند التَّقْعِيد النَّحْوِيّ.

وقد ضم بعض النُّحَاة هذا البعد السِّياقي عند تحديده لـ «لا» فقال: «هي حرف لرد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب؛ أي لنفي الحكم عن المعطوف وإثباته للمعطوف عليه») (١).

٧ ــ الأداة «لَمَّا»:

من الأدوات التي اعتنى سيبويه بدلالتها الأداة «لَمَّا»، فقال عنها: «ولمايَفْعَلْ وقد فَعَلَ، إنَّما هما لقومٍ ينتظرون شيئًا. فمن ثم أشبهتْ قَدْ لَمَّا، في أنَّها لا يُفصَل بينها وبين الفعل») (٢).

الأداة «لَمَّا» كما يقول سيبويه إِنَّمَا هي «لقوم ينتظرون شيئا»، وهذا العبارة على وجازتها ترسم مسرحا لغويا كاملا، يضم «أفرادا» جمعهم «سياق ما» جعلهم «ينتظرون» وقوع «حدث ما»، والتعبير بالفعل المضارع «ينتظرون» يدل على استمرارية هذا الانتظار؛ أي أَنَّ انتظار الحدث قد بدأ قبل زمن الكلام واستمرَّ إلى الحال ومازال ممتدا بعده. وأكَّد هذا المعنى باستخدامه لأداة التوكيد

«إِنَّما».

وقد أشار النُّحَاة لهذه الاستمرارية بتأكيدهم على «وجوب امتداد الزمن المنفي بها إلى الزمن الحالي امتدادا ... ، وذلك بأن كون المعنى منفيا في الزمن الماضي وفي الزمن الحالي أيضا من


(١) د. على توفيق الحمد: المعجم الوافي في أدوات النحو العربي، ص ٢٧٠
(٢) سيبويه: الكتاب، ٣/ ١١٤ ــ ١١٥

<<  <   >  >>