للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل ما يؤَيِّد ما نقول هنا قول سيبويه نفسه: «وليس شيء يضُطَرّون إليه إلا وهمْ يحاوِلون به وجها») (١).

» الملحوظة الثانية:

يشير الأستاذ عباس حسن عند حديثه عن الجموع وأوزانها أَنَّ سيبويه يقرر أَنَّ جمع المذكر والمؤنث يدلان «ــ في الغالب ــ على عدد قليل لا ينقص عن ثلاثة، ولا يزيد عن عشرة، فهما كجموع القِلَّة التي للتكسير، ينحصر مدلولها في ثلاثة وعشرة وما بينهما») (٢).

ويشير إلى أَنَّ بعض علماء آخرين ــ ليس منهم سيبويه ــ يقولون: «إِنَّهُما صالحان للأمرين، ما لم توجد قرينة تعين أحد الأمرين، كالتي تعين القِلَّة في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} فَإِنَّ المراد بهاأيام التشريق، وهي قِلَّة وكالتي تعين الزيادة في قوله تعالى عن الصالحين: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}») (٣). ويقول في ختام هذه الإشارة إِنَّ هذا هو الرأي الصحيح

ونتفق مع الأستاذ عباس حسن في أَنَّ دلالة صيغ الجموع وأوزانها تتوقف على «القرينة» التي يجب أَنْ يكون من بينها سياق الحال، ولكننا لا نتفق معه ــ رحمه الله ــ في أَنَّ سيبويه قيد جمع المذكر والمؤنث وأوزان جموع القِلَّة بدلالة محددة هي دلالة القِلَّة؛ لأنَّهُ قد أشار إلى عكس ذلك في بعض المواضع، منها قوله:

«واعلم أَنَّ لأدنى العدد أبنيةٌ هي مختصَّة به، وهي له في الأصل، وربَّما شركه فيه الأكثر كما أنَّ الأدنى ربَّما شرك الأكثر. فأبنية أدنى العدد أفعلٌ نحو: أكلبٍ، وأفعالٌ نحو: أجمالٍ، وأفعلةٍ نحو: أجربةٍ، وفعلةٌ نحو: غلمةٍ، فتلك أربعة أبنية، فما خلا هذا فهو في الأصل للأكثر وأَنْ شركه الأَقَلّ .... وكذلك سمعناها من العرب. فكل شيء خالف هذه الأبنية في الجمع فهو لأكثر العدد، وإن عني به على الأقلُّ فهو داخلٌ على بناء الأكثر وفيما ليس له، كما يدخل الأكثر على بنائه وفي حيِّزه») (٤).

«وربَّما عنوا ببناء أكثر العدد أدنى العدد كما فعلوا ذلك بما ذكرنا من بنات الثلاثة، وذلك قولهم: ثلاثةُ جدرٍ وثلاثة كتبٍ») (٥). وليتأمل قوله «وربَّما عنوا»، التي تعني ربما قصدوا،


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٢
(٢) عباس حسن: النحو الوافي، ١/ ١٣٧ الحاشية ذات الرَّقْم ٢
(٣) السابق، ١/ ١٣٨
(٤) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٤٩٠
(٥) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٦٠١

<<  <   >  >>