للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

((عرفت أنَّ زيدًا قائم)) واحدٌ، إلا أَنَّ: ((عرف)) لا ينصب جزأي الجملة الاسمية، كما ينصبها ((علم))، لا لفرق معنويٍّ بينهما، بل هو موكولٌ إلى اختيار العرب، فإنهم قد يَخُصُّون أحَدَ المتساويين في المعنى بحكم لفظي دون الآخَر») (١).

فالرَّضِيّ ينص على أنَّ معنى «علم» يساوي معنى «عرف»، وعلى الرغم من هذا التساوي في المعنى ــ عند الرَّضِيّ ــ فإن «علم» ينصب جزأي الجملة الاسمية، أما «عرف» فلا ينصب جزأي الجملة الاسمية، والسبب في هذا هو «اختيار العرب» فإنَّهم قد «يَخُصُّون أحَدَ المتساويين في المعنى بحكم لفظي دون الآخَر»؛ أي أنَّ العرب «اختارت» أنْ تُعمل الفعل «علم»، ولم تختر أن تُعمل الفعل

«عرف».

إذن اختيار الإعراب يتوقف في نهاية المطاف على اختيار المتكلم.

وفي نص لابن السراج يقول فيه: «واعلم: أنَّ أسماء الأزمنة تكون على ضربين: فمنها ما يكون اسمًا ويكون ظرفًا، ومنها ما لا يكون إلا ظرفًا، فكلُّ اسم من أسماء الزمان فلك أنْ تجعله اسمًا وظرفًا إلا ما خصته العرب بأنْ جعلته ظرفًا، وذلك ما لم تستعمله العرب مجرورًا ولا مرفوعًا. وهذا إنما يؤخذ سماعًا عنهم فمن ذلك: ((سحر)) إذا كان معرفة غير مصروف تعني به: سحر يومك لا يكون إلا ظرفًا وإنَّما يتكلمون به في الرفع والنصب والجر») (٢).

في هذا النص نجد ابن السراج يعطي الحق ((للعرب / المتكلم)) في أن تجعل من أسماء الزمان الظروف التي تريدها وتمنع غيرها من هذه الظرفية، فـ ((العربي / المتكلم)) حر في هذا الاختيار.

إن قولنا: أن السياق هو المسيطر الأول والأخير على الجملة بكل ما فيها ينهي هذا الجدال في هذا العلم علم النحو، الشديد الأهمِيَّة لبقية العلوم اللُّغَوِيَّة الأخرى كما قال الإمام الشافعي.

إن نظَرِيَّة العامل قد تعتبر مثال على نظَرِيَّة «غير علمِيَّة»؛ بمعنى أَنَّنا إذا أردنا التدليل على وجود نظَرِيَّة غير علمِيَّة قلنا إنَّها نظَرِيَّة العامل. إِنَّ النظَرِيَّة العلميَّة تنبع من الواقع، ومن الحقائق الموجودة سلفا في هذا الواقع، ونظَرِيَّة العامل هي أبعد ما تكون عن الواقع والممارسة والتطبيق. والنظَرِيَّة العلميَّة تنمو وتستمر لتكون أكثر دقة وانضباطا، ويحدث لها إصلاح داخلي تقوم به الخبرة الاجتِماعِيَّة، أَمَّا نظَرِيَّة العامل فمع مرور الوقت ازدادت الأمور معها تعقيدا كما رأينا في نصّ أبي البركات الأنباري، وأصبحت العناية ــ كما قال د. إبراهيم مدكور ــ مجرد اهتمام «بالصور


(١) شرح الرَّضِيّ على كافية ابن الحاجب: ت: د. يحيي بشير مصري، ط ١، ١٩٩٦ م القسم الثاني، المجلد الأول، ص ٩٨٣، ٩٨٤
(٢) الأصول في النحو، ١/ ١٩٢

<<  <   >  >>