للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلك كانت اقتباسات من بعض اللغويّين والبلاغيين والنُّحَاة توضح أَنَّ السِّياق كان حاضرًا لديهم مطبَّقًا في إنتاجهم العلمي) (١).

إِنَّ إثبات هذا الحضور يمهِّد الطريق لبحثنا هنا وغيره من الأبحاث التي تحاول فحص العلاقة بين السِّياق واللُّغَة واستشفافها، ويعطيه مسَوِّغا ومشروعيَّة للمضي فيه.

ونحبُّ أنْ نضيف أن سياق الحال ــ باعتباره ملمحًا اجتماعيًّا ــ يمكن أَنْ «يُعَدُّ أصلا يضاف إلى أصول نظَرِيَّة النُّحَاة العرب، فإِنَّهُ أصل مستأنس لديهم باطراد، مستشعَر في تحليلاتهم على نحو يمثل استخراجه إحياء لأصل من أصولهم صدروا عنه، وإن لم يصرحوا به» (٢). إِنَّ للنحاة واللغويّين العرب «اتجاها اجتماعيًّا في النظر اللغويّ، وأنَّ المقام) أو سياق الحال (يمثل ركنا مهمًّا من أركان هذا الاتجاه»، وأنَّهُم في جملة أعمالهم «كانوا يعتمدون على الأخذ من الكلام الحي المنطوق، والكلام بهذه الصفة لا يتصور وقوعه أو حدوثه إلا في مسرح لغوي متكامل الجوانب من مرسل ومتلق وظروف وملابسات متعلقة بموضوع الحديث» (٣).

في نهاية هذا المطاف يحقُّ لنا أَنْ نقول ونقرِّر مطمئنين تلك الحقيقة ألا وهي أَنَّ السِّياق كان له من السلطة والسلطان قولا وفعلا، نظرا وتطبيقا على الكلام ونصوصه عند علمائنا؛ وهذا ما يجعلنا نقول بحق أَنَّهُ لا نصّ بدون سياق.

• مكونات سياق الحال وما يشتمل عليه:

من المنطقيّ أَنْ يتبادر إلى الذهن بعد التأكيد على أهمِيَّة السِّياق وأثره على اللُّغَة أسئلة مُهِمَّة وهي: إذا كان السِّياق بهذه الأهمِيَّة وأنَّه محيط الكلام الذي يتحكم فيه وفي عناصره ــ كما يقول ديفيد كريستال ــ فما مكونات هذا السِّياق؟ وما العناصر التي يشتمل عليها؟ وما طبيعتها؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة ستعيننا ولا شك في مناقشة موضوع بحثنا، وتمكننا بدقَّة من معرفة العناصر التي اعتمد عليها سيبويه في التَّقْعِيد والتوجيه النَّحْوِيّين.

بعد استقصاء مصطلح السِّياق في عدد من المصادر والمراجع يمكن القول إِنَّ أهم العناصر التي يتكون منها السِّياق هي:

١ ــ المُتَكَلِّم: ويتعلق به:


(١) نوضح هنا أن الاهتمام بالسِّياق لم يكن مقصورا فقط على علماء اللُّغَة والبلاغة والنحو بل شمل طوائف أخرى من العلماء: علماء الكلام، والأصول، والمفسرين، وشراح الحديث والشعر.
(٢) د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص ٦٦
(٣) السابق: ص ٦٧، وينظر أيضا للأهمِيَّة الصفحات: ٦٩، ٧٩، ٨١، ٨٨، ٨٧، ٩٨، ١٠٥، ١٠٧

<<  <   >  >>