للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- النصوص المعتمد عليها في التَّقْعِيد:

من الأمور التي تستحق فضل بيان وإلقاء بعض الضوء عليها في هذا التمهيد الإشارة إلى طبيعة النصوص المعتمد عليها في التَّقْعِيد النَّحْوِيّ في العربِيَّة ونقول: إِنَّ أنماط النصوص التي اعتمد عليها النُّحَاة عند تقعيدهم هي: الآيات القُرْآنِيَّة، كلام العرب: شعره ونثره، وأحيانا الحديث النبوي للائتناس والاسترشاد. وأول ما نَوَدّ إثباته هنا أَنَّه إذا كان الكلام العادي مرتبط بالسِّياق بطبيعته، فأنماط هذه النصوص أشد ارتباطا به.

فالقرآن الكريم ــ الذي يأتي على قمة اللسان العربي من حيث «انتظامه خواص العربِيَّة ومميزاتها: قواعد وتراكيب وعلم نظم وأسلوب ــ بُلِّغَ إلى الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ منطوقا منجَّمًا بحسب الأحوال والظروف، وموزعة آياته وسوره على الزمان والمكان» (١)، وهو «جاء على ما يقع في أنفس المخلوقين من السؤال ... [و] خوطب [به العرب] بما يتعارفونه، وسلك باللطف معهم المسلك الذي يسلكونه» (٢).

والشعر وارتباطه بالسِّياق الذي يقال فيه لا يحتاج إلى بيان؛ فكل «شاعر أو ناثر يصدر عن ذات نفسه وفقا لثقافته وحياته الاجتِماعِيَّة، ووفقا للغرض الذي يتناوله، والمقام أو المسرح اللغويّ الاجتماعِيّ المُعَيَّن»، وأَيَّة رسالة أدبيَّة شعرِيَّة أو نثرِيَّة تفرض أَنْ «يطعم المرسِل) الناثر أو

الشاعر (أو أَنْ يلون رسالته بألوان لغَوِيَّة جديدة، بوصفها أوقع في نفس المستقبل وأقرب إلى موقعه الثقافي الاجتماعِيّ، ويستوي في ذلك أَنْ تكونَ هذه الألوان صوتيَّة أو صرفِيَّة أو نحوِيَّة» (٣).

والحديث النبوي «كان موجَّها إلى الناس أجمعين، بكل فئاتهم وطبقاتهم وبيئاتهم الثقافيَّة والاجتِماعِيَّة ... فكان من الطبيعي أَنْ تأتي كلماته وأساليبه مطابقة للظروف والحال والغرض الذي يقصد إرساله أو التعبير عنه أو توصيله إلى الناس» (٤).

ومن النصوص المُهِمَّة التي ذكرها العلماء عن سيبويه ما رواه البغدادِيّ في خزانة الأدب عن الأخفش الأصغر على بن سليمان إذ يقول: «وعمل سيبويه كتابه على لغة العرب وخطبها وبلاغتها فجعل فيه بيتا مشروحا وجعل فيه مشتبها ليكون لمن استنبط ونظر فضلٌ» (٥).


(١) د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص ٧٢
(٢) عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص ٢٤٠
(٣) د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص ٧٤
(٤) السابق، ص ٧١
(٥) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، ت: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط ٤، ١/ ٣٧٢

<<  <   >  >>