وتستوقف القارئ كلمة البغدادِيّ في هذا النَّصّ «وخطبها وبلاغتها»، وهي عبارة مثيرة تثير التساؤل فما المقصود بأن سيبويه عمل كتابه على لغة العرب وخطبها وبلاغتها؟
يمكن تفسير هذه اللفظة في ضوء سياقها الذي وردت فيه بأنَّ سيبويه اعتمد عند تقعيده على لغة العرب وخطبها وعلى النصوص البليغة التي يطابق فيها الكلام مقتضى الحال. وفي هذا ولا شك إشارة للعنصر الاجتماعِيّ سياق الحال الذي اعتمد عليه سيبويه.
****
- القواعد العلميَّة المراعاة عند تقعيد القاعدة:
ومما أَجِدُهُ واجب الإشارة إليه في هذا التمهيد الحديث عن القواعد العلميَّة المراعاة عند تقعيد القاعدة. والإشارة هنا إشارة معيارية؛ بمعنى أَنَّها ستكون المعيار الذي نحتكم إليه عند مناقشتنا لدور السِّياق في التَّقْعِيد والتوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه؛ لإظهار مدى «علمِيَّة» ما نقوله.
من خلال ما سبق، وما أقرَّهُ العلماء يمكن أَنْ نضع بعض الشروط للوصول إلى قاعدة لغَوِيَّة سليمة، منها:
١ ــ ملاحظة مسرح الحدث اللغويّ والعنصر الاجتماعِيّ:
ينبغي عند التَّقْعِيد ملاحظة الجانب الاجتماعِيّ ومسرح الحدث اللغويّ؛ فإهماله يؤدي إلى اضطراب القاعدة، وإشاعة الفوضي كما بيَّنا. كما أَنَّ اعتباره أيضا يقلِّلُ من اختلافات النُّحَاة في التوجيهات الإعرابِيّة والنحوِيَّة.
ويرسِّخ هذا المعنى علمٌ من أعلام العربِيَّة هو أبو حيان في مقابساته عند تفريقه بين النحو والمنطق، فيؤكد أَنَّ «النحو»:
•• «يرتب اللفظ ترتيبًا يؤدي إلى الحق المعروف أو إلى العادة الجارية».
•• «والشهادة في النحو مأخوذة من العرف».
•• «ودليل النحو طباعي».
•• «والنحو يتبع ما في طباع العرب، وقد يعتريه الاختلاف».
•• «والنحو تحقيق المعنى باللفظ، والمنطق تحقيق المعنى بالعقل».
•• «والنحو يدخل المنطق، ولكن مرتبًا له، والمنطق يدخل النحو، ولكن محققًا له».
•• «والنحو أشد التحامًا بالطبع».
•• «والنحو شكل سمعي، والمنطق شكل عقلي».