للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

» الكلام الشفاهي يرتبط بالصوت الذي يرتبط بدوره بدخيلة الإنسان.

وإذا ضممنا إلى مجموعة الحقائق السابقة مجموعة الحقائق التالية التي تقول:

أ ((الإنشاد: رفع الصوت، ومنه إنشاد الشعر)) (١). و ((أنشد القصيدة إنشادا: إذا رفع صوته في إلقائها)) (٢).

ب ويتضح من تَتَبُّع مصطلح الإنشاد في المعاجم أَنَّه مرتبط بالشعر.

ت وأَنَّ حُسْنَ إنشاد الشعر كان مثار تفاضل بين الرواة، يُعَدُّ حسنُ الإنشاد منقبةً لأحدهم يفتخر بها وقد يُذَمُّ المنشد بسوء الإنشاد أيضا، ونقرأ أحيانا في كتب التراجم أَنَّ فلانا «من أحسن الناس إنشادا للشعر») (٣).

ث ويحدِّثُنا المؤرخون أَنَّه قبل انقضاء القرن الثاني الهجري امَّحت أسواق الجاهلية، «ولكن سوقا واحدة نشأت في الإسلام احتفظت بكثير من خصائص أسواق الجاهلية، وزادت عليها بميزات واسعة ... تلك هي سوق المِرْبَد في البصرة، السوق التي استطاعت أَنْ تكون مرآة تعكس حياة العرب في الجاهلية كما تصور حضارتهم في الإسلام») (٤). صارت هذه السوق على عهد الأمويين سوقا «تتَّخذ فيها المجالس، يخرج إليها الناس كُلَّ يوم، كُلٌّ إلى فريقه وحلقته وشاعره، وتتعدد فيه الحلقات يتوسطها الشعراء والرجاز، ويؤمُّها الأشراف وسائر الناس يتناشدون ويتفاخرون») (٥). فالمربد «معرض لكل قبيلة، تُعرض فيه شعرها ومفاخرها، وهو مجتمع العرب ومُتَحدَّثهم ومتنزه البصريين ... وما زال يعلو شأنه وتستجيب له أسباب الكمال حتى اشتد ولوع الناس به وارتيادهم له») (٦)، وبه «كانت مفاخرات الشعراء والخطباء») (٧)، وكان «يعج بأعلام اللُّغَة والأدب والشعر والنحو، معهم محابرهم ودفاترهم يكتبون عن فصحاء الأعراب فيه»، وكان

«لكل شاعر حلقة، ولكل متهاجيين مجلس، ولكل قبيلة ناد وشاعر يذود عنها ويردّ عدوان قريعه من القبيلة الثانية: فللعجاج ولرؤبة حلقة، ولأبي النجم العجلي حلقة، ولجرير حلقة،


(١) الزبيدي: تاج العروس، ٩/ ٢٢٢
(٢) الحريري: درة الغواص في أوهام الخواص، مؤسسة الكتب الثقافيَّة، بيروت، ط ١، ) ١٩٩٨ م (، ص ٢٨٥
(٣) ينظر على سبيل المثال ترجمة: أبو النجم الراجر، الأعلام للزركلي، ٥/ ١٥١
(٤) سعيد الأفغاني: أسواق العرب في الجاهلية والإسلام، دار الفكر، القاهرة ــ بيروت، ط ٣، ) ١٩٧٤ م (، ص ٣٩٤
(٥) السابق، ص ٤٠٨
(٦) السابق، ص ٤٠٨
(٧) السابق، ص ٤٠٩

<<  <   >  >>