للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[محاورات علماء أهل الحديث والسنة مع المعتزلة:]

بالرغم من تبني المأمون للمذهب الاعتزالي وفرضه على الناس بالقوة ووسائل الإغراء معًا حتى كانت محنة الإمام أحمد في قضية خلق القرآن وعانى فيها العلماء ما عانوه - بل عالق المسلمون أيضًا حتى امتحن أسرى المسلمين بالقول بخلق القرآن وإلا أعيدوا إلى أعدائهم!! - بالرغم من كل هذا فقد أخذ علماء الحديث والسنة على عاتقهم إظهار الحق، فحفظت لنا المصادر أهم محاورتين دارتا في هذا الصدد، ونعني بهما محاورة الإمام أحمد بن حنبل وابن أبي دؤاد، ومحاورة عبد العزيز المكي مع بشر المريسي أحد كبار المعتزلة.

وسنعرض بإيجاز لما دار في هاتين المحاورتين، لاستخلاص المنهج وبيان صدق النتائج التي توصل إليها كل من الإمام أحمد وعبد العزيز المكي:

١ - الإمام أحمد بن حنبل وابن أبي دؤاد ١٦٤ - ٢٤١ هـ:

لم تمض القرون المفضلة، حتى خاض علماء الكلام في مسائل الذات والصفات، وأثاروا مسائل توقيفية من الحقائق التي اكتفى بها الأوائل بما أمدهم به الوحي، وكان لظهور الحديث في الذات والصفات الإلهية بتأثير الفلسفة اليونانية آثارها الوخيمة على المجتمع الإسلامي، فبينما اتجه السابقون إلى الجهاد ونشر الدعوة، وصرف الهمم إلى تدوين العلوم التي يجدي بذل الجهود فيها، تقلص الاهتمام بالجهاد لتتحول الهمم إلى مسائل أفنى البعض فيها أعمارهم ولم يعودوا فيها بطائل، إذ ليست عندهم وسائل الوصول إليها، ومؤهلات الحكم عليها (١) .

من هنا جاءت المعارضة الشديدة للتيار المخالف لما كان عليه السلف، بادئًا بمعبد الجهني (٨٠ هـ) الذي تكلم في القدر، ثم غيلان الدمشقي، فشاع الكلام بعدهما بواسطة واصل بن عطاء (١٣١ هـ) وتوالى شيوخ الاعتزال في الظهور إلى أن تلقف هذا التيار أحد خلفاء المسلمين وهو المأمون (٢١٥ هـ) فاعتنق عقيدتهم، وأخذ على عاتقه نصرة مذهبهم بالإرهاب والبطش، فلم ينصت إلى أصوات المعارضة التي ارتفعت من الغالبية العظمى للمسلمين. وما من باحث يتعرض لهذه


(١) أبو الحسن الندوي - رجال الفكر والدعوة في الإسلام ص ١١٥.

<<  <   >  >>