لعل أبرز نقاط الخلاف بين شيوخ الحديث والسنة، والمتكلمين بعامة والمعتزلة بخاصة هي نقطة صلة العقل بالشرع، فبينما زعم المتكلمون أن بوسعهم استحداث أدلة مستوحاة من العقل وممزوجة بمصطلحات الفلاسفة والاستناد إليها في الدفاع عن الإسلام، يرى أهل الحديث والسنة أن الأدلة الشرعية بذاتها كافيةـ؛ لأنها تتفق مع أحكام العقل وقوانينه.
وهناك أيضًا مترادفات، فيقال: النقل والعقل أو الرواية والدراية والسمع والعقل، وكان مثار الخلافات الحادثة بين المسلمين أن أهل الكلام ظنوا أن الأدلة الواردة بالوحي لا صلة لها بالعقل، ولهذا حاولوا التوفيق بين أدلة الشرع وأدلة العقل ظانين أنهم بهذا المنهج يستطيعون الدفاع عن الإسلام وتقريب أصوله إلى الأذهان.
وتوطئة لتحليل هذه القضية الهامة التي تعتبر جوهر الخلاف بين المتكلمين والمحدثين فسنعرض لبعض المصطلحات التي حددها أحد علماء الحديث والسنة ليمكننا التمييز بين مناهج علماء الحديث ومناهج المتكلمين من المعتزلة والأشاعرة وأصحاب الفرق الأخرى.
[تعريف الشرع]
وهو ينقسم إلى:
١ - الشرع المنزل: فالشرع يطلق تارة على ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب والسنة. وهذا هو الشرع المنزل، وهو الحق الذي ليس لأحد خلافه.
٢- الشرع المبدل: ويطلق على ما يضيفه بعض الناس إلى الشرع، إما بالكذب والافتراء وإما بالتأويل والغلط، وهذا شرع مبدل لا منزل، ولا يجب، بل لا يجوز اتباعه.
ويضع شيخ الإسلام ابن تيمية في دائرة الشرع المبدل هؤلاء الذين يناقضونه في خبره، فينفون ما أثبته أو يثبتون ما نفاه، كأتباع جهم بن صفوان الذين ينفون ما أثبته من صفات الله سبحانه وتعالى، والقدرية النفاة الذين ينفون ما أثبته من قدر الله تعالى ومشيئته وخلقه وقدرته، والقدرية المجبرة الذين ينفون ما أثبته من عدل الله