للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: طرق البراهين القرآنية

١ - الميزان القرآني:

ويرى ابن تيمية أن القياس الصحيح هو الميزان المنزل من الله تعالى الذي يستدل به العقل، فإن من أعظم صفات العقل معرفة التماثل والاختلاف، فإذا رأى الشيئين المتماثلين، علم أن هذا مثل هذا فجعل حكمهما واحدًا، قال الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ) [الشورى: ١٧] وقال سبحانه: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد: ٢٥] وفسر السلف الميزان بالعدل وفسره بعضهم بما يوزن به، وهما متلازمان وقد أخبر أنه أنزل ذلك مع رسله كما أنزل معهم الكتاب ليقوم الناس بالقسط، ويبين أيضًا في موضع آخر أن القياس الصحيح هو من العدل الذي أنزله الله تعالى، وأنه لا يجوز أن يختلف الكتاب والميزان، فلا يختلف نص ثابت عن الرسل وقياس صحيح - لا قياس شرعي ولا عقلي، ولا يجوز قط أن الأدلة الصحيحة النقلية تخالف الأدلة الصحيحة العقلية وليس في الشريعة شيء على خلاف القياس الصحيح على خلاف القياس الفاسد (١) .

وبعد عرض مسهب مقارن للأقيسة المنطقية والميزان القرآني، يقرر ابن تيمية أن الله تعالى يبين الحقائق بالمقاييس العقلية والأمثال المضروبة، ويبين طريق التسوية بين المتماثلين والفرق بين المختلفين (٢) وينكر على من يخرج عن ذلك كقوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية: ٢١] وقوله سبحانه: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [القلم: ٣٥، ٣٦] أي هذا حكم جائر، لا عادل فإن فيه تسوية بين مختلفين.

وقال عز وجل: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص الآية: ٢٨] وقوله سبحانه: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ


(١) الرد على المنطقيين ص ٣١٧.
(٢) نفس المصدر ص ٣٨٣.

<<  <   >  >>