للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد انهيار الخلافة العباسية في بغداد سنة ٦٥٦ هـ وانقسام الدولة الإسلامية الكبرى إلى ولايات متعددة، فقامت بمصر والشام حينذاك دولة المماليك التي عاش فى ظلها ابن تيمية، وقد كتب لها أن تقوم بالنصيب الأوفى في خدمة الإسلام ودفاع المعتدين من المغول في الشرق والصليبيين في الشمال (١) .

ولم يأل ابن تيمية جهدًا فى شن الغارة على النصيرية والباطنية في الشام، لأن السواحل الشامية إنما استولت عليها النصارى من جهتهم وهم دائمًا مع كل عدو للمسلمين، كما قام ابن تيمية بالسفارة لدى ملك المغول غازان.

وجمع في شخصيته صفات العالم المجاهد الذي ضحى - كما يصفه الشيخ المراغي - بمتع الدنيا لنصرة دعوته، فانتقد انتقاد الرجل المثالي الذي كان يرى ألا حكم إلا لله، وأن الجماعة يجب أن تكون على النحو الذي شرعه الله، فله في الدين رأي، وله في الدولة رأي، وله في الصوفية رأي، وله في رجال الكلام رأي، وله في النصرانية رأي، والباطنية رأي (٢) .

وأمضى حياة حافلة في التأليف والجدل والجهاد بنفسه ضد التتار والإفتاء ومحاربة البدع.

ومثل هذه الشخصية الفذة لابد أن تتعرض للابتلاءات والمحن، ولذا فقد استطاع خصومه إدخاله السجن أكثر من مرة في حياته، فكان موته بسجن القلعة بدمشق عام ٧٢٨ هـ (٣) .

والآن يحسن بنا أن نفصل هذه المقدمة.

[حياته وعصره]

ولد الشيخ كما قلنا في بيت ثقافة إسلامية سلفية، فإن جده كان محدثًا مشهوراً، وكذلك كان أبوه. يصف ابن تيمية جده بقوله: (كان جدنا عجبًا في حفظ


(١) المراغي: ابن تيمية ص ٥٩ ط الحلبي (سلسلة أعلام الإسلام) .
(٢) المراغي: ابن تيمية ص ٣٧- ٣٨.
(٣) ينظر كتاب المستشرق الفرنسي هنري لاوست (نظريات شيخ الإسلام في السياسة والاجتماع) ترجمة الأستاذ محمد عبد العظيم وتقديم وتعليق د. مصطفى حلمي دار الأنصار ١٣٩٦ هـ - ١٩٧٧ م.

<<  <   >  >>