للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[علم الكلام على مفترق الطرق]

[السلف والأشاعرة]

تبين لنا مما تقدم أن علماء الحديث والسنة وقفوا طويلاً أمام علم الكلام نابذين أصحابه، مبتعدين عن الخوض فيه، ثم دخلوا الميدان حينما قويت شوكة المعتزلة، فاضطروا اضطرارًا إلى مجابهتهم - لا سيما عند محنة خلق القرآن - ولكن بمنهج مخالف، فكانت طريقتهم في الدفاع عن أصول الدين اتباع منهج السلف أي: مراعاة المعاني الصحيحة والألفاظ الشرعية، والرد على من تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقًا وباطلاً، ومثال ذلك ما مر بنا من طريقة الإمام أحمد في المحنة، فقد دأب على الامتناع عن التلفظ بألفاظ لم ترد بالشرع، فلما حاولوا إلزامه القول بالجسمية، امتنع وأجاب (هو أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) (١) .

ورأى المحدثون بعده أن طريقة الإمام ابن حنبل هي كفيلة وحدها بالرد على أهل السنة من المتكلمين وغيرهم، ومن ثم لم ينكروا جنس النظر والاستدلال فيما يتعلق بأصول الدين، ولكنهم أنكروا الاصطلاحات التي أوردها أهل الكلام وخالفوا بها الأصول الشرعية، ومنذ ذلك الحين، يمكن التمييز بين نوعين من الكلام: أحدهما كما يذكر السفاريني - هو العلم المشحون بالفلسفة والتأويل عن حقائقها الباهرة، والثاني: علم السلف ومذهب الأثر وما جاء في الذكر الحكيم وصحيح الخبر (٢) ويعني ذلك: الاستدلال بالآيات والأحاديث.

وكانت حجة علماء الحديث أن الشارع - صلى الله عليه وسلم - لم يترك شيئًا من أصول الدين وفروعه إلا أوضحه، كيف تترك آثاره ويستند إلى آراء غيره؟ ومن هذه الوجهة لخص الإمام أحمد موقف علماء الحديث جميعًا، إذ لما سئل عن الكرابيسي (٢٤٥ هـ) وهو أحد زعماء المتكلمين - أجاب (إنما جاء بلاؤهم من هذه الكتب التي وضعوها، تركوا آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وأقبلوا على هذه الكتب (٣) .


(١) ابن تيمية - موافقة صحيح المنقول مع صريح المعقول ج ١ ص ١٥٣.
(٢) شرح عقيدة السفاريني ج ١ ص ٩٤.
(٣) الخطب البغدادي: شرف أصحاب الحديث ص ٦، ٧، ٨ - تحقيق د. محمد سعيد خطيب
=

<<  <   >  >>