للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الأول:]

[مراحل ظهور الكلام في الدين]

اتضح لنا - مما تقدم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النظر في تشابه القرآن، وقد أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها، قالت: تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران: ٧] ، قال "فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم".

وقد نفذ أصحاب الصدر الأول هذا النهي وأطاعوا أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - واجتنبوا تحذيراته، فلم يظهر من يجادل ويبحث في الآيات المتشابهة، وعلة ذلك - كما يذكر ابن عباس رضي الله عنهما - منع وقوع الشك في القلوب (١) .

أما عن أول من خالف هذه السنة وسأل عن المتشابه فهو رجل يقال له: "عبد الله صبيغ" جعل يسأل عن متشابه القرآن عندما قدم المدينة، فاستدعاه "عمر بن الخطاب" - رضي الله عنه -، وسأله عن اسمه، فلما أخبره، أخذ عرجونًا من عراجين النخل فضربه حتى أدمى رأسه. ويبدو أن الرجل كان مصمما على موقفه؛ لأنه وعد بترك السؤال، ثم عاد إليه فطلبه عمر فقال: (إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، فأذن له إلى أرضه. وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالسه أحد من المسلمين) (٢) .

كذلك بالنسبة للناظر في القدر، روى "مسلم" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على الصحابة وهم يتناظرون في القدر، ورجل يقول: ألم يقل الله كذا؟ ورجل يقول: ألم يقل الله كذا؟ ورجل يقول: ألم يقل الله كذا؟ فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: "أبهذا أمرتم؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا. ضربوا كتاب الله بعضه ببعض وإنما نزل كتاب الله ليصدق بعضه بعضًا، لا ليكذب بعضه بعضًا، انظروا ما أمرتم به فافعلوه وما نهيتم عنه فاجتنبوه".

وبسبب عصيان هذا الأمر النبوي ظهرت القدرية - وهم نفاة القدر في أواخر


(١) صون المنطق للسيوطي ج ١ ص ٧٦ البحوث الإسلامية.
(٢) نفس المصدر ص ٥٠.

<<  <   >  >>