للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علوه تعالى واستوائه على عرشه، وأنه مع ذلك عالم بكل شيء، كما دل على ذلك قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد، الآية: ٤] وفسر الإمام ابن حنبل المراد بذكر المعية في الآية أنه بهم، وكما افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم، وأنه سبحانه بين أنه مع علوه على العرش يعلم ما الخلق عاملون، كما في حديث العباس بن عبد المطلب الذي رواه أبو داود وغيره، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيه: "والله فوق عرشه وهو يعلم ما أنتم عليه".

وقد شرح الإمام أحمد هذا الحديث بالقياس العقلي وضرب مثلين، ولله المثل الأعلى، فقال: (لو أن رجلاً في يده قوارير فيها ماء صاف، لكان بصره قد أحاط بما فيها، مع مباينته له، فالله - ولله المثل الأعلى - قد أحاط بصره بخلقه، وهو مستور على عرشه) والمثال الثاني: لو أن رجلاً بنى دارًا لكان مع خروجه عنها يعلم ما فيها، فالله الذي خلق العالم يعلمه مع علوه عليه، كما قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك، الآية: ١٤] ؟ (١) .

ثانيًا: نظرية الكسب الأشعرية وتفسير أفعال الإنسان:

نشأ الأشعري كما علمنا في بيئة الاعتزال، ومن أصولهم العدل ومؤداه أن العدل الإلهي في رأيهم يقتضي أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق أفعال العباد، فالإرادة الإنسانية حرة، والإنسان نفسه هو خالق أفعاله، ومن ثم يستحق الثواب والعقاب (٢) وكان موقفهم هذا بمثابة رد فعل للجبرية القائلين بعدم قدرة العبد على إحداث الفعل.

ومن هنا وصف المعتزلة أنفسهم بأنهم أهل العدل، لأنهم يهدفون بإثبات الفعل للإنسان، نفي الظلم عن الله سبحانه التي تتجه أفعاله نحو قصد وغاية، وتتفق مع ما يقتضيه العقل من التمييز بين الحسن والقبيح والخير والشر، فأجمعوا - كما يذكر


(١) ابن تيمية: موافقه صحيح المنقول ج ١ ص ١٤٣.
(٢) د. أبو ريان: تاريخ الفكر ص ١٦٧.

<<  <   >  >>