للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ظهور الجدل في أصول الدين]

استقرت العقائد في القلوب ولم يختلف الصحابة حول أصول الدين قط، بل لم يعرفوا تقسيم الدين إلى أصول وفروع، ثم بدأت تظهر الآراء المخالفة منذ النزاع الحادث بين "علي" و"معاوية" رضي الله عنهما بعد مقتل "عثمان بن عفان" رضي الله عنه.

وسنحاول أن نخط طريقنا من القاعدة المنهجية التي نراها صحيحة شرعًا وعقلاً، وتتلخص في الاعتقاد أن الصحابة كانوا هم الأعلم بلغة القرآن ومراميه، والأدق في فهم محكمه ومتشابهه، ولم تظهر في عصرهم خلافات في أصول العقيدة، إذ كان هناك إجماع عليها بين الكافة، ثم بدأت الانشقاقات رويدًا رويدًا.

وكان انحراف الخوارج ظاهرًا عندما اعتقدوا خطأ تكفير علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والنفر الذين كانوا معه من المهاجرين والأنصار.

كما رأوا منصب الإمامة أو الخلافة لا تختص بشخص من القرشيين فجوزوا إمامة أي إمام يجتمع فيه العلم والزهد ولو كان من أخلاط الناس وأوباشهم، بالإضافة إلى عقائد أخرى كتخليد مرتكب الكبيرة في النار وغيرها من الآراء التي دونتها كتب التاريخ والفرق.

وظهرت القدرية في أواخر زمن الصحابة وصار "معبد الجهني" و"غيلان الدمشقي" و"الجعد بن درهم" إلى القول بالقدر - أي: نفيه وعدم الاعتقاد به. وفي ذلك الزمان حدث سنة المرجئة (١) حين قالوا: لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

ثم طلعت المعتزلة مثل أبي الهذيل العلاف والنظام ومعمر والجاحظ وترجمت كتب الفلاسفة في زمن المأمون واستخرجوا منها ما خلطوه بأوضاع الشرع مثل لفظ الجوهر والعرض والزمان والمكان والكمون ونحو ذلك. وأول مسألة أظهروها القول بخلق القرآن.

وتلت هذه المسألة مسائل الصفات الإلهية مثل العلم والقدرة والحياة والسمع


(١) ينظر كتابنا "قواعد المنهج السلفي في الفكر الإسلامي" ط دار الدعوة بالإسكندرية.

<<  <   >  >>