للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والبصر (١) .

وعندما ظهرت عقائد المعتزلة التي افترقوا بها عن عقيدة أهل السنة والجماعة، اضطر علماء الحديث والفقهاء للرد عليهم وإعادة الأمور إلى نصابها.

وإننا نعثر على آراء أهل الحديث منبثة في كتبهم للرد على المتكلمين في المسائل التي أثيرت كالحديث عن الصفات والقدر والتوحيد والأسماء - وغيرها من أصول المسائل التي شغلت أذهان المسلمين -. كما حرصوا على استمداد أرائهم من أقوال الصحابة والتابعين في هذه الموضوعات إذ لا يغيب عن ذهن الباحث أن منهج المحدثين كفل لهم الاحتفاظ بالنصوص المنقولة عن السابقين جيلاً بعد جيل.

وفي الأدوار التي تضخمت فيها الخلافات كتب علماء الحديث في هذه الموضوعات التي تطرق إليها علماء الكلام، ومن بين هذه المصادر العامة كتاب (خلق أفعال العباد) للإمام البخاري، (الرد على الجهمية والمعطلة) للإمام أحمد والرد على بشر المريسي للإمام الدارمي وغيرهم، بحيث نستطيع القول بأن تيار السمع أو النقل، ارتبط بتيار العقل أو الدراية، أي بعبارة أخرى امتد اهتمام علماء الحديث والسنة إلى المسائل التي أثيرت بواسطة المتكلمين وغيرهم، ووقفوا منها موقفًا عقليا أيضًا، فالتقى عندهم النقل مع النظر، فهم وإن كانوا في الغالب أهل رواية، قد أثبتوا أيضًا بأنهم أهل دراية؛ لأن الكتاب أمر بالتفكير والتدبر، وكانوا يحرصون على الارتباط بالصحابة ومواقفهم من هذه الأصول الهامة في الإسلام، وهم ورثة الأنبياء الذين قال الله فيهم: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ) [ص، الآية: ٤٥] فالأيدي القوة في أمر الله، والأبصار في دين الله، فبالبصائر يدرك الحق ويعرف، وبالقوة يمكن من تبليغه وتنفيذه والدعوة إليه (٢) .

ولقد استمسكوا بهذا المنهج النقلي العقلي - إن صح التعبير - وربما نجد ما يعبر عن التقاء الرواية بالدراية في كتابات ابن تيمية الذي كان يلح دائمًا على ترديد


(١) ابن الجوزي ص ٩٢- ٩٣ تلبيس إبليس.
(٢) ابن تيمية: نقض المنطق ص ٧٩.

<<  <   >  >>