استهل عبد العزيز المكي المحاورة في هذه القضية بسؤاله لبشر المريسي فسأله:(يا بشر تقول: إن الله كان ولا شيء، وكان لم يفعل شيئاً، وكان لم يخلق شيئاً) فلما أقر بشر بهذه المقدمة، استخرج منها الإقرار بأن الله تعالى هو الذي أحدث الأشياء أي: خلقها بقدرته سبحانه. ولكنهما اختلفا بعد الاتفاق على هذه المقدمة، ويعبران عن وجهتي النظر المتعارضتين، إذ إن المعتزلة ينفون صفات الله تعالى بينما يثبت علماء أهل السنة والجماعة هذه الصفات كما اتضح لنا فيما تقدم من هذا البحث.
أقر بشر بأن الله عز وجل لم يزل قادرًا، ولكنه لم يقر بأن الله سبحانه لم يزل يفعل فانبرى إليه عبد العزيز المكي قائلاً (فلا أن تقول إنه خلق بالفعل الذي كان عن القدرة، وليس الفعل هو القدرة، لأن القدرة صفة من صفات الله، ولا يقال لصفات الله هي الله، ولا هي غير الله، وهذا يلزمك القول به) .
فلما اعترض بشر على هذا التفسير قائلاً لعبد العزيز:(ويلزمك أيضًا أن تقول إنه لم يزل يفعل ويخلق، وإذا قلت ذلك تبين أن المخلوق لم يزل مع الخلق) ، هنا أضاف عبد العزيز إيضاحًا أكبر، متوسعًا في شرح العلاقة بين الخالق والمخلوقات، ليصل إلى إثبات صفة الفعل لله تعالى مع القدرة، وبذلك يضع البرهان العقلي لصفات الله تعالى وتغايرها.
قال عبد العزيز:(إني لم أقل هذا وليس لك أن تحكم علي وتحكي عني ما لم أقل وتلزمني ما لم يلزمني، إني لم أقل إنه لم يزل الخالق يخلق، ولم يزل الفاعل يفعل فألزمني ما قلت، وإنما قلت لم يزل الفاعل سيفعل، ولم يزل الخالق سيخلق لأن الفعل صفة الله يقدر عليها ولم يمنعه منها مانع)(١) .
وكان عبد العزيز حريصًا في اختيار ألفاظه أن يستخدم الفعل بصيغة المستقبل، لكي يتضح أمام السامع أن الله تعالى هو الأول بالإطلاق وأنه سبحانه متقدم قبل الخلق، وكان ولا شيء قبله ولا شيء معه.