تكاد تجمع المصادر التاريخية وكتب الفرق على أن نشأة مذهب الاعتزال ترجع إلى اختلاف واصل بن عطاء مع شيخه الحسن البصري (١١٠ هـ) في الحكم على مرتكب الكبيرة، واعتزاله مجلسه لهذا السبب، وفيما عدا هذه الرواية الشهيرة فإن الملطي (توفي ٣٧٧ هـ) يعود بنشأة المعتزلة إلى أيام تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، لأنهم كانوا من أصحاب "علي" فاعتزلوا الناس ولزموا البيت والمساجد قائلين: (نشتغل بالعلم والعبادة فسموا بذلك: المعتزلة) والأرجح الرواية الأولى.
وعلى أية حال، قد انفصل الخوارج عن الجماعة للأسباب التي ذكرناها آنفًا، وفعل المعتزلة بالمثل بطريقة أخرى، وأطلقوا على أنفسهم اسم المعتزلة مشتركين معاً في اعتقاد الأصول الخمسة التي وضعوها. ففارقوا جماعة المسلمين وانفضوا عنهم حريصين على التميز والظهور بما أعلنوه من عقائد مخالفة، ولهذا فقد قوبلوا بالاستنكار والمعارضة من جانب العلماء، لأنهم ابتدعوا آراء لم يعرفها الأوائل كالحكم على مرتكب الكبيرة بأنه (منزلة بين المنزلتين) ونفي القدر. فكان عبد الله بن المبارك حينذاك يحذر المسلمين منهم بقوله:(أيها الطالب علماً ايت حماد بن زيد، فخذ العلم بحلم، ثم قيده بقيد، وذر البدعة من آثار عمرو بن عبيد) ومنه نفهم الانشقاق الذي بدأ يظهر بين علماء الحديث والمتكلمين منذ بزوغ المسائل الكلامية في مهدها، إذ كان عمرو بن عبيد قبل ذلك منخرطًا في سلك الجماعة الإسلامية، مرتبطًا بإعلانه لرأيه المخالف لرأي الجماعة، اعتبر مبتدعًا، فوصفه "ابن حبان" بأنه كان من أهل الورع والعبادة، إلى أن أحدث ما أحدث واعتزل مجلس الحسن، وجماعة معه؛ فسموا معتزلة، وكان يشتم الصحابة ويكذب في الحديث وهماً لا تعمداً.
[الأصول الخمسة عند المعتزلة]
والأصول الخمسة التي اتفقوا عليها هي: التوحيد، العدل، والوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن أنقض منها أو زاد عليها أصلاً واحدًا لا يستحق لقب الاعتزال.