للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي تناوله لصفة الكلام لمشيئة الكلام بالذات التي أثارت أشد ألوان الجدل بين السلف والمعتزلة والأشاعرة، فإن ابن تيمية يثبت أن السلف قالوا: إن الله لم يزل متكلمًا إذا شاء وكيف شاء لأن الكلام صفة كمال لا صفة نقص وإنما تكون صفة كمال إذا قام به لا يتصف بما هو بائن عنه، فبرهن على خطأ المعتزلة لقولهم بأن كلام الله مخلوق، واعتبر قول الأشاعرة بدعة، لأنهم ميزوا - تأثرًا بابن كلاب - بين الكلام النفسي وغيره.

وعلينا بعد هذا البيان، الانتقال لمعالجة واحدة من أهم القضايا التي أثارت الخصومات ضد شيخ الإسلام، وألبت الخصوم عليه ورمته بسببها بتهمة التجسيم، وذلك توطئة لمناقشة هذه التهمة وتفنيدها فيما بعد:

[إثبات صفات الله تعالى وأفعاله بالأدلة العقلية]

يثبت علماء السنة والحديث ما يقوم بالله تعالى من الصفات كالحياة والعلم والقدرة والإرادة والكلام والسمع والبصر كما يثبتون الأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها كالخلق والإحياء والإماتة والاستواء وغير ذلك من الأفعال.

ولا نزاع بين أهل السنة وغيرهم بطبيعة الحال أن أدلة السمع توافرت على إثبات هذه الصفات والأفعال، لكن الذين يخالفون دلالة السمع من المتكلمين يدعون أنها دلالة ظاهرة لا قاطعة، ويرون أن الدلالة العقلية القاطعة خالفتها.

ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية فى شرح القواعد التي يستند إليها في الدلالة العقلية القاطعة التي يشجب بها رأي الفلاسفة الدهرية القائلين بقدم العالم وينقد بها أيضًا المتكلمين سواء المعتزلة الذين نفوا الصفات ونفوا الأفعال بالتأويل.

قال شيخ الإسلام: معلوم بالسمع اتصاف الله تعالى بالأفعال الاختيارية، كالاستواء إلى السماء، والاستواء على العرش، والقبض، والطي، الإتيان، والمجيء، والنزول ونحو ذلك؛ بل الخلق، والإحياء والإماتة، فإن الله تعالى وصف نفسه بالأفعال اللازمة كالاستواء وبالأفعال المتعدية كالخلق، فإن الفعل لا بد له من فاعل، سواء كان فعله مقتصراً عليه أو متعديًا إلى غيره. والفعل المتعدي إلى غيره لا يتعدى

<<  <   >  >>