للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى يقوم بفاعله، إذ لا بد من الفاعل. وهذا معلوم سمعًا وعقلاً (١) .

واستعان ابن تيمية في شرحه ببعض قواعد اللغة العربية التي يقرها الكافة ويعرفونها، فإن أهل اللغة التي نزل بها القرآن متفقون على أن الإنسان إذا قال: (قام فلان وقعد) أو قال: (أكل فلان الطعام وشرب الشراب) فإنه لا بد أن يكون في الفعل المتعدي إلى المفعول به ما في الفعل اللازم وزيادة.

إذاً كلتا الجملتين فعلية، وكلتاهما فيه فعل وفاعل، الثانية امتازت بزيادة المفعول.

فإذا وضعنا هذه القاعدة نصب أعيننا في التفسير لتبين لنا التفسير الواضح لمثل قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) [الحديد: ٤] إذ تضمن فعلين: أولهما متعد لمفعول به، والثاني مقتصر لا يتعدى، فإذا كان الثاني - وهو قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى) فعلاً متعلقًا بالفاعل، فقوله: (خَلَقَ) كذلك، بلا نزاع بين أهل العربية.

ويستكمل ابن تيمية الشرح من حيث الأدلة العقلية، فيوضح أن من جوز أن يقوم بذات الله تعالى فعل لازم له، كالاستواء والمجيء ونحو ذلك، لم يمكنه أن يمنع قيام فعل يتعلق بالمخلوق، كالخلق والبعث والإماتة والإحياء. كما أن من جوز أن تقوم به صفة لا تتعلق بالغير كالحياة، لم يمكنه أن يمنع قيام الصفات المتعلقة بالغير، كالعلم والقدرة والسمع والبصر.

وينبغي أن نقرر أيضًا تبعًا لما نشاهده في الكون من مخلوقات حادثة، أن علم المخلوقات بأفعال الله تعالى الاختيارية القائمة بنفسه، وهذه الأفعال سبب حدوثها، والله تعالى حي قيوم لم يزل موصوفًا بأنه يتكلم بما يشاء. فعال لما يشاء.

إذن يثبت بذلك خلق السموات والأرض بما جاء به الشرع، ولا يمكن القول بحدوث العالم إلاّ بإثبات الأفعال الإلهية لا - كما يزعم نفاة الأفعال الذين يزعمون أن العقل دل على نفيها فالعقل عند التحقيق يبطل النفي ويوافق الشرع، لأن نفي


(١) موافقة ج ٢ ص ٣.

<<  <   >  >>